الجمعية في خمسين عاماً

السادة والسيدات الحضور

أسعدتم صباحاً

باسم مجلسِ إدارة جمعية العلوم الاقتصادية وباسمي أحييكم أطيب تحية، شاكراً مشاركتكم في الاحتفالية التي تقيمها جمعية العلوم الاقتصادية بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسها.

بداية….. أود أن التمس منكم العذر فكلمتي قد تكون أطول من افتتاحية، لأن المناسبة تحتم التوقف عند بعض المحطات التاريخية من عمر الجمعية التي لا يمكن المرور عليها في عجالة، ولا يمكن إغفالها.

منذ تأسيس الجمعية عام 1965 حدد الأساتذه المؤسسون أهداف الجمعية والتي تمثلت بشكل أساسي بخدمة الاقتصاد السوري، ودعم الأنشطة الاقتصادية العربية، وتوطيد العلاقات بين الاقتصاديين العرب..0 لقد حرصت مجالس إدارة الجمعية المتعاقبة على الحفاظ على هذه الأهداف، وقامت جميعها بجهدٍ مشكورٍ لتحقيقها.

أيها السادة….

احتفالنا اليوم يستوجب أن نذكر بمزيد من التقدير والعرفان، الفرسان الأوائل من جيل المؤسسين لهذه الجمعية، الذين قدموا من جهدهم وفكرهم ووقتهم الكثير وهم يستحقون منا الاعتراف بجميلهم. بعضهم مازالوا يزينون الوطن بقاماتهم التي نعتز ونفخر بها، وبعضهم غادر هذه الدنيا، تاركاً وراءه إرثاً طيباً وأعمالاً جليلة لا يزال بعضها محفوظاً لدينا، نطلب لهم جميعاً الرحمة، وتقول لهم ستبقى ذكراكم الطيبة خالدة، وماثلة في نفوسنا…. وجمعية العلوم الاقتصادية ستذكركم وتُذكَّر بكم دائماً.

واسمحوا لي أيها السادة وفي هذه المناسبة اليوبيلية، أن أذكر بعض الأسماء التي شاركت في إدارة الجمعية منذ تأسيسها، عرفاناً بجميلهم وفضلهم:

الدكتور عدنان شومان الدكتور توفيق اسماعيل
الدكتور كمال حصني الأستاذ فاروق التمام
الدكتور محمد العمادي الأستاذ محمد بسام السباعي
الدكتور محمد الأطرش الأستاذ فؤاد اللحام
الدكتور عبد الوهاب خياطة السيدة سهير كمال
الدكتور كرم توما الأستاذ محمد جلال مراد
الدكتور هشام متولي الدكتور مصطفى الدباس
الدكتور عادل العاقل الدكتور طه بالي
الدكتور عمار جمال الدكتور محمد سعيد النابلسي
الدكتور أحمد مراد الدكتور الياس نجمة
الدكتور حنا خوري الدكتور أحمد منير الحمش
الدكتور عبد الله العظمة الدكتور عارف دليلة
الدكتور نعيم الشعار الأستاذ عبد القادر النيال
الدكتور صلاح دعبول الدكتور تيسير الرداوي
الدكتور سهام الشريف الدكتور عصام الزعيم
الدكتور ناظم حيدر الدكتور نبيل مرزوق
الدكتور فؤاد دهمان الأستاذ محمد غسان القلاع
الدكتور نبيل سكر الدكتور حيان سليمان
الأستاذة هنا الحسيني الدكتورة رشا سيروب

لهم منا جزيل الشكر والامتنان على الخدمات الجلى التي قدموها للجمعية، ونأمل ممن سيدير الجمعية مستقبلاً أن يبقى محتفظاً بذكراهم، ومقدراً جهودهم في أي مناسبة.

كما أتوجه بالشكر لجميع الذين أسهموا بآرائهم ودراساتهم دون أي مقابل، لهم نقدم امتناننا وامتنان من استمع إلى محاضراتهم ومداخلاتهم وأخص:

الأستاذ أحمد دباس الدكتور مفيد حلمي
الدكتور داوود حيدو الأستاذ حنين نمر
الدكتور جورج عشي الأستاذ بشير الزهيري
الدكتور حيدر غيبة الدكتور رزق الله هيلان
الدكتور قدري جميل الدكتور أيمن ميداني
الدكتور عابد فضلية الدكتور علي كنعان
الدكتور رسلان خضور الدكتور علي الخضر
الدكتور أكرم حوراني الدكتور غسان إبراهيم
الدكتورة ديالا الحاج عارف الدكتور مجيد مسعود
الدكتور حسين القاضي الدكتور كمال حمدان
الدكتور جورج قرم الدكتور مطانيوس حبيب
الدكتور رياض الأبرش الدكتور دريد درغام
الأستاذ سمير سعيفان الدكتور داوود حيدو الدكتور راتب الشلاح الدكتور عطية الهندي الدكتور عثمان العائدي الأستاذ ربيع نصر

ولمن سهوت عن ذكره، له منا جميل العذر، فالذي نسيته لن ينساه جمهور ندوة الثلاثاء.

أيها السادة…. إن الجمعية كما ذكرت، لم تقدم لكل هؤلاء إلا المحبة والاحترام… وأعتقد إنهم يكتفون منا بذلك.

أنتقل إلى محطة أخرى تتعلق بنشاط الجمعية العلمي … وهو يتوزع بين ثلاثة محاور: ندوة الثلاثاء، وحلقات بحث، ومشاركات مع جهات اقتصادية سورية وأخرى عربية.

المحور الأول:

بدأت ندوة الثلاثاء الاقتصادية منذ نحو ثلاثة عقود، وترسخت تجربتها عاماً بعد عام رغم الصعوبات التي اعترضتها … لكنها صمدت واستمرت إلى أن أصبحت جزءاً من الحراك الثقافي والاقتصادي، ومنبراً معروفاً داخل سورية وخارجها، ينتظرها الكثيرون بتلهف كبير كل عام. نجحت هذه الندوات نتيجة لتضافر عدة عوامل:
– الخيارات الموفقة لموضوعات الندوات، والتي أتت عبر حوارات واستشارات بين أعضاء الجمعية.
– اختيار محاضرين أكفاء ومتميزين ومن عدة أجيال، لديهم القدرة على المجاهرة برأيهم.
– جو الحوار الديمقراطي والحر الذي ساد في الندوات وتمكنا من تحقيقه.

لا أعلم أياً من هذه العوامل كان له أثر أكبر، ولكن كل ذلك ساعد في النجاح.

تضم الجمعية أيها السادة … نخبة من الاقتصاديين الأكفاء، الذين يمتلكون المعرفة النظرية والخبرة العملية في مختلف فروع الاقتصاد، وينتمون إلى طيف واسع من التيارات الفكرية والمدارس الاقتصادية وقد يكون لهذا التنوع في الأفكار والرؤى دور كبير في خلق جو من الحوار البناء الذي ساد في تلك الندوات.

بلغ عدد ندوات الثلاثاء 24 أربعاُ وعشرين ندوة كان آخرها في عام 2011 تناولت موضوعاتها مختلف القضايا والسياسات التنموية الخاصة بالصناعة والزراعة والتجارة والنقل والتأمين والسياحة والاتصالات والطاقة والانشاءات والنقد، والتسليف والمصارف والمالية، كما تصدت محاضرات ندوة الثلاثاء إلى مواضع اقتصاد السوق، ودور الدولة في التنمية، والأبعاد الاجتماعية والانسانية للتنمية في سورية، والتخطيط وأليات السوق، ودور المرأة في الاقتصاد السوري، وهجرة الكفاءات، والتنمية الإقليمية، وأزمة الجفاف في المنطقة الشرقية وآثارها الاجتماعية والاقتصادية، ودراسات الجدوى الاقتصادية، والمواصفات والمقاييس، ومناخات الاستثمار، والاقتصاد الريعي.

ولم تُغْفِل محاضراتُ الندوة بعضَ القضايا الاقتصادية الملحة والتي تتطلب المعالجة السريعة، وقد أعطينا إحدى الندوات هذا العنوان ذات مرة، لإثارة انتباه أصحاب القرار. وناقشنا من خلاله قضايا ( البيئة والفساد والتضخم والفقر والبطالة ومشكلة السكن العشوائي وعجز الموازنة ، والأسعار والأجور، والتشغيل وسوق العمل، والضمان الصحي ، والأمن الغذائي، ومعوقات النمو الاقتصادي) ,,, إلخ ، كما أولت ندواتنا اهتماما خاصاً بقضايا الاصلاح الاقتصادي في النظام النقدي والمصرفي، والاصلاح في القطاع الإداري والنظام التربوي، وناقشنا جدوى وفائدة أسلوب الإدارة بالأهداف كمدخل للإصلاح الاقتصادي. وموضوعَ الحوكمة في عملية الإصلاح الاقتصادي، وسبيلَ تطوير القطاع الخاص، وإصلاحَ القطاع العام بشكل عام والصناعيَّ منه بشكل خاص.

كما تصدت الجمعية لمناقشة السياسات الاقتصادية التي تقترحها الدولة، وحاولنا أن نفندها ونبين محاسنها ومضارها كي لا تقع الحكومة في التجريبية.

كما تناولت محاضراتُ الندوات بالبحث والتحليل ملفاتٍ هامة: كالعولمة، والشراكة السورية- الأوربية ، والشراكةِ الأوربية – المتوسطية، والتعاونِ السوري – اللبناني، ومنظمة التجارة العالمية، وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، والصناعات الصغيرة المتوسطة، والتشاركية بين القطاع العام والخاص، والقطاع غير المنظم ، وموضوع البحث العلمي من الجانب الاقتصادي، والجودة وحماية المستهلك، والاستثمار الأجنبي في سورية، وموضوعات كثيرة يضيق المجال على تعدادها.

أيها السيدات والسادة:

لعبت ندوة الثلاثاء دوراً بالغاً الأهمية في إثارة اهتمام المواطنين بالشأن الاقتصادي، وفي تشجيعهم على المشاركة في النقاش، وفي تعميقِ فهمهم للقضايا الاقتصادية الراهنة، كما كانت منبراً مفتوحاً لجميعِ الاتجاهات الفكرية، وأتاحت المجال لتفاعل الآراء والوصول في أحيان كثيرةٍ إلى قواعد مشتركةٍ غايتها مصلحة الوطن…. كما كانت هذه الندوات ساحةً حرةً للحوار الاقتصادي لجميع القوى الاجتماعيةِ الراغبةِ في المساهمةِ في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يؤكده جمهور الندوةِ…. وقد قلت عبارةً ذات مرة …. إن رواد الندوة كانوا يتوافدون إليها دون معرفة موضوع المحاضرة أو من المحاضر…. لقد احترمنا هذه الثقة فحرصنا على مستوى محاضراتنا.

كانت جمعية العلوم الاقتصادية خلال تاريخها سباقة في تسليط الضوء على أوجاع الاقتصاد السوري. وفي إثارة النقاش حول العديد من القضايا والمشاكل الاقتصادية، وفي التأكيد على ضرورة المبادرة إلى الاصلاح على مختلف الصعد باعتبار هذه المشاكل ملحةً ولا تحتملُ التأجيل.

حافظت الجمعية على استقلاليتها خلال العقود الخمسة الماضية، كجمعية علمية أهلية غير حكومية، وهذا لا يعني تجنب التعاون مع الأجهزة التنفيذية، فقد وضعت الجمعية في مقدمة مهامها مساعدة الأجهزة التنفيذية على اكتشاف عثرات الاقتصاد السوري، وتقديم النصح والرأي لتجاوزها.

المحور الثاني:

لم يقتصر نشاط الجمعية على ندوة الثلاثاء الاقتصادية، بل امتد لعقد حلقاتٍ نقاشية وورشاتِ عملٍ شارك فيها عدد محدود من المختصين، بحَثت في مواضيع محددة بهدف الوصول إلى استنتاجاتٍ ومقترحاتٍ علميةٍ، في مجالاتٍ متعددة منها:

– استراتيجيةُ التقانةِ في سورية … الواقع والآفاق.
– مستقبلُ الدعم بين التوجهات الراهنة والنتائج الاقتصادية.
– الشراكة السورية – الأوربية مالها وما عليها.
– المنعكسات الاقتصادية والاجتماعية لسياسات رفع الدعم.
– النظام العالمي الجديد ومنعكساته.

ونظراً للظروف الصعبة التي تمر بها سورية، وتَعَذُر تنظيم ندوات الثلاثاء الاقتصادية في الأعوام 2012/2014 ركزنا نشاطنا خلال هذه الفترة على الحلقات النقاشية، واخترنا موضوعاتٍ تستوجب المعالجة أكثر من غيرها، مثل:

– واقع الأسعار بين التحرير والاحتكار في سورية.
– الصناعة السورية في ظل الأزمة… الواقع والمطلوب.
– إعادة الاعمار… سورية نحو الانتعاش المبكر والتنمية.
– نموذج وطني للتنمية والإعمار: الاقتصاد السوري من المحنة والكبوة إلى النهوض.
– حالة الحماية الاجتماعية.
– الإدارة وإعادة الاعمار في سورية.
– إعادة الإعمار عبر إعادة بناء الإنسان.
– التغيير في أسعار الصرف وأثره على التضخم ومستوى المعيشة.

ما ذكرته هو بعض من حلقات البحث التي قمنا بها، وقد أسهمت هذه الحلقات في تحفيز جهات مختلفة لتنظيم فعاليات مماثلة لبلورة أنشطتها في التعامل مع الأزمة، وعذراً من هؤلاء فقد كانت لنا الريادة في إثارة هذه الموضوعات للنقاش، وقد رفعنا خلاصة عدد من هذه الحلقات وتوصياتها إلى رئاسة مجلس الوزراء مبينين استعدادنا للتعاون مع كافة الجهات المعنية لوضع هذه التوصيات موضع التنفيذ.

المحور الثالث:

نظمت الجمعية ندوات اقتصادية في إطار مؤتمرات اتحاد الاقتصاديين العرب في العديد من الأقطار العربية، وقد شهد العقدان الماضيان ، انتشاراً للجمعية على المستوى العربي، اذ شاركت إضافة لما سبق في تنظيم العديد من الندوات مع الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية – القاهرة، وكذلك مع اتحاد غرف التجارة السورية وغرفة تجارة دمشق ، ومع كلية الاقتصاد في جامعة دمشق وغرفة صناعة حلب ، إضافة لعدة أنشطة لفروع الجمعية في حلب واللاذقية وطرطوس مع غرف التجارة في هذه المدن.

أيها السادة…. كان حضور جمعية العلوم الاقتصادية في الحياة العامة ولا سيما الاقتصادية والفكرية ، حضوراً بارزاً ومميزاً، ولا تزال الجمعية تتابع دورها في تسليط الضوء على القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه سورية والوطن العربي، متمسكة بدورها وموقفها الوطني التقدمي، والتزامها بالعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ضيوفنا الكرام

أبها الزملاء الأعزاء

تتعرض سورية منذ أربع سنوات ونصف تقريباً لحرب عدوانية شرسة تشنُ عليها من دول غربية (وعربية ) بالإضافة إلى اسرائيل وتركيا، برعاية ودعم من الولايات المتحدة الأمريكية …. حربٍ متعددة الأبعاد، تتقاطع فيها العقوبات والحصار والمقاطعة مع تضليل اعلامي وضغوط سياسية …. حرب تخوضها مجموعات ارهابية ظلامية بالوكالة عن دول تقدم لها التسليح والتدريب والتمويل بالإضافة إلى دعم لوجستي وسياسي وإعلامي.

لقد ألحقت أيها السادة … تلك الحرب العدوانية ببلدنا دماراً غير مسبوق في البنى التحتية والمرافق العامة، والطاقات الانتاجية لقطاعات الصناعة والزراعة والنقل، بالإضافة إلى المنشآت السياحية والتعليمية والصحية والمواقع الأثرية والقوى البشرية والموارد الطبيعية، مع العلم أن قطاعً النفط والغاز شبه متوقف عن العمل وهذا يعني فقدان الدولة لأهم مصدر من مصادر الدخل، وإذا كانت مسؤولية ذلك الدمار تقع على عاتق الدول التي شنت الحرب على سورية، فإننا نرى أن تعاطي الحكومات السورية خلال هذه الفترة لم يساعد على التخفيف من شدة آثارها السلبية على الاقتصاد والمجتمع والمواطنين.

لم تدرك هذه الحكومات أنها أمام حرب عدوانية شرسة قد تطول لسنوات، لذلك تعاملت معها بظواهرها، فجاءت إجراءاتها ردود أفعال للأحداث، وكانت تدابيرها آنية لا تنم عن فهم دقيق للأحداث ودوافع ما يجري ، واحتمالات تفاقمه ، فاتسمت قراراتها بالارتباك والتخبط، بكونها جزئية ومتأخرة في معظم الأحيان ، وسطحية، لم تلامس مواطن الخطر الحقيقية.

وبدلاً من أن تقوم تلك الحكومات بمراجعة جذرية وشاملة لسياساتها الاقتصادية الليبرالية المعتمدة قبل الأزمة، فقد ثابرت على متابعة نفس النهج، وتطبيق ذات السياسات ، في ظل المخاطر الجسيمة المحدقة بالاقتصاد السوري جراء الحرب العدوانية. وقد غاب عن ذهنها أن الحرب تستدعي سياسات وإجراءات تختلف جذرياً عن تلك المعتمدة في الظروف العادية, وتعلمون أيها السادة أن أشد الدول الرأسمالية تعصباً في تبني النهج الليبرالي اضطرت إلى إيقاف العمل به في ظروف الحرب الاستثنائية، وإلى اعتماد نهج يقوم على التدخل المباشر للدولة في جميع الأنشطة الاقتصادية، بديلاً عن النهج الاقتصادي التلقائي الذي لا يستطيع أداء مهمه على الوجه المطلوب في مثل هذه الظروف، ويعطي الدولة دوراً فعالاً للإشراف المباشر بغض النظر عن عامل الربح.

أيها السادة… إن اطلاق العنان لقوى السوق، وتواضع التدخل الإيجابي لمؤسسات الدولة، وضعف الرقابة الحكومية قد مكن تجار الأزمة بالتحكم بالأسعار وارتفاعها بنحو ستة أضعاف ما كانت عليه قبل الأزمة. وبالتالي حدوث تدهور سريع في مستوى معيشة المواطن، إلى حد غدا ثلثا السوريين عند خط الفقر الأدنى، و 60% منهم عند خط الفقر الأعلى…

لقد أدى فتح باب الاستيراد إلى ارتفاع الطلب على الدولار، ومن ثم إلى تدهور قيمة الليرة السورية مقابل الدولار بنحو معروف للجميع، وبدلاً من اعتماد أولويات تحصر الاستيراد بالسلع الغذائية الأساسية والمواد الأولية، ومستلزمات الإنتاج الضرورية للصناعة والزراعة، فقد اتخذ مصرف سورية المركزي قرارات لقصد التدخل للتأثير في جانب العرض، اتسمت بالارتباك والتخبط والغموض وعدم الاستقرار… ومع الأسف أتت سياسات التدخل التي مارسها المصرف المركزي عشوائية واستعراضية… فتارة لجأ للمزايدات وتارة لبيع القطع إلى سماسرة وشركات صرافة… وهذا ما أتاح لبعض الفاسدين فرصة مناسبة للمضاربة على الليرة السورية … وهكذا وجد المتلاعبون في عدم استقرار أسعار الصرف ذريعة لرفع أسعار السلع والخدمات يومياً.

مع غياب الدعم لقطاعي الزراعة والصناعة، وتوقف العديد من المعامل والمزارع عن العمل جراء ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج والمحروقات والطاقة بمختلف أنواعها ، قفز معدل البطالة إلى مستوى تجاوز 57% وزاد عن ذلك لفئة الشباب.

أيها السيدات والسادة:

لم تأل جمعية العلوم الاقتصادية جهداً في لفت الانتباه إلى مخاطر تطبيق السياسات الاقتصادية المتبعة، وعقدت العديد من الحلقات النقاشية كما ذكرنا، ورفعت ملخصات عن هذه الحلقات للحكومة مبدية استعدادها للتعاون في اقتراح الاجراءات والتدابير الضرورية … وكالعادة لم نتلق أي جواب. وكان مجلس الإدارة قد التقى المسؤول الاقتصادي الأول في الحكومة وعرض وجهة نظر الجمعية بالإجراءات التي تتخذها الحكومة، فاصطدمنا بجدران لا تقبل أي حوار واتهام للجمعية بعرقلة المسيرة الاقتصادية.

عذراً أيها السادة على الإطالة ولكن المناسبة والوضع الاقتصادي العام يستوجب ذلك…

ومما يستدعي الانتباه أن وزارة الاقتصاد قررت بعد انقضاء أربعة أعوام على بدء الأزمة، أن تتبنى مبدأ الأولويات لاستيراد سلة غذائية موسمية، ومنح إجازات استيراد للمواد الغذائية ومستلزمات انتاج السلع الغذائية (صحيفة الثورة في 21/6/2015).

ويحق لنا هنا أن نتساءل؟ لماذا لم يتخذ هذا القرار منذ بداية الأزمة، وكم من الخسائر كنا سنجنب الاقتصاد السوري، وكم من المشاق والآلام كنا سنخفف عن المواطنين، وكم من المنافذ كنا سنغلق في وجه الفاسدين، وكم من المنفعة والقوة كنا سنوفر لسورية…!

رغم ذلك ما تزال السلع الأجنبية، ولا سيما الألبسة الأوربية الفاخرة معروضة في أسواقنا المحلي، وحتى المنتجات التركية، وهي الدولة التي تستقبل وتدرب وتسلح وتدعم المجموعات الارهابية وترسلها إلى سوريا لتقتل الشعب السوري، كما لا زالت المصنوعات التركية تحتل حيزاً هاماً في المحال التجارية، ويصر بعض المسؤولين في الوزارات ذات العلاقة على أن السلع الأجنبية الموجودة في المحال التجارية مهربة ولم تدخل بصورة نظامية ( الأخبار اللبنانية 20/6/2015 ).

لا نود الإفاضة في هذا الموضوع …. ولكن عوضاً عن مصادرة السلع المهربة وملاحقة أصحاب المحال التي تعرضها قضائياً، صدر مرسوم يعفي التجار من أي غرامات في حال مبادرتهم إلى التصريح عن البضائع غير النظامية الموجودة لديهم ودفع الرسوم النظامية ( الأخبار اللبنانية 20/6/2015).

إن السياسات الاقتصادية التي اتبعت في سورية في العقد الأول من هذا القرن، ولا سيما في السنوات الخمس الأخيرة منه قد أسهمت في توفير بعض ظروف الأزمة ، وإن الإصرار حالياً على استمرار العمل في تلك السياسات من شأنه أن يضعف قدرة سورية على مواجهة القوى الخارجية والدولية والاقليمية التي تسعى لإطالة أمد الأزمة.

والآن… ومن أجل تعزيز قدرة سورية على الصمود والمواجهة، يتعين إجراء مراجعة جذرية وسريعة للسياسات والممارسات الاقتصادية المتبعة، وبما يتوافق والأهداف التالية:

– تكثيف الجهود لتنمية الاقتصاد السوري ولا سيما في القطاعات الانتاجية.
– مراعاة العدالة في تقسيم المشاق والخسائر الناجمة عن الأزمة بين فئات المجتمع، فليس من الإنصاف أن يراكم البعض الثروة على حساب معاناة وآلام الآخرين.
– تجفيف منابع الهدر وإغلاق منافذ الفساد.