منير الحمش
التحولات في النظام الدولي:


جمعية العلوم الاقتصادية تبحث في السياسة الدولية: أسئلة حول النظام الدولي الجديد...

قدم الدكتور منير الحمش، في جمعية العلوم الاقتصادية يوم الثلاثاء 9-5-2017 محاضرة بعنوان «التحولات في النظام الدولي: تراجع الغرب وصعود الصين وروسيا». المحاضرة التي سادت القراءة السياسية على طابعها، تساهم في إعادة الترابط الضروري بين الاقتصادي والسياسي إلى القراءات الاقتصادية السورية المحلية...

قسم الباحث محاضرته إلى المحاور التالية، الأول: يتحدث عن تطور النظام الدولي وأطرافه الفاعلة، والثاني: حول أهم التحولات في النظام الدولي بعد الحرب الباردة، أما المحور الثالث: فيتحدث عن تراجع الغرب وصعود الصين وروسيا، أما المحور الأخير فيطرح السؤال حول: مستقبل النظام الدولي.
النظام الدولي وليد المعارك!
بدأت معالم الاهتمام الدولي بتنظيم العلاقات الدولية، على أساس الاتفاقيات والالتزامات، في القارة الأوروبية، منذ أواسط القرن السابع عشر، في معاهدة وستفاليا 1648م، والتي أتت عقب حرب الثلاثين عاماً، لتليها في مؤتمر فيينا عام 1815م الذي حاولت فيه القوى الأوروبية إعادة ترتيب العلاقات الدولية بعد الثورة الفرنسية وهزيمة نابليون، لتتوسع بعدها في عام 1856 إلى اتفاقية باريس التي ضمت تركيا للمرة الأولى. في إشارة إلى العلاقات السياسية الدولية التي تعبر عن تغير التوازنات عقب الحروب والاضطرابات. وهذا ما شهدته بدايات القرن العشرين في حربيه العالميتين، والتي أدت إلى الانطلاق من المركز الغربي الأوروبي إلى «قطبي المستقبل» في حينه: الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، فضلاً عن اليابان، ليشمل نطاق العلاقات الدولية الجديد، والنظام الجديد نطاق العالم أجمعه.
ويشير الباحث: أن هيمنة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ترتبط بتسيّدها للمنظومة الرأسمالية العالمية، واستفادتها من إمكاناتها المتمثلة بـ: الدول الرأسمالية الصناعية المتقدمة (G7)، والشركات الكبرى والبيوتات المالية والشركات متعدية الجنسية، بالإضافة إلى المؤسسات الاقتصادية العالمية (صندوق النقد الدولي – البنك الدولي – منظمة التجارة العالمية). إلا أن هذه المرحلة كانت مترافقة مع وجود الاتحاد السوفييتي، والنظام الدولي ثنائي القطبية، المختلف آيديولوجياً، واقتصادياً، واستراتيجياً.
إلا أن المرحلة التي عقبت انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات، حوّلت النظام العالمي إلى أحادي القطبية، والذي يتميز بدرجة عالية من تمركز القدرات لدى دولة واحدة مهيمنة.
ليستمر حلف الناتو ويتوسع شرقاً، مقابل انهيار حلف وارسو، وليجري التحول العالمي إلى اقتصاد السوق، والأيدلوجية الديمقراطية الغربية، وشمل هذا كلاً من الصين وروسيا، بتباينات ووفق خصوصيات كل منهما، وتحولٍ تدريجياً المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية من مبدأ توزان القوى إلى مبدأ توازن المصالح، ليتركز شكل الصراع العالمي بين الشمال والجنوب في ظل الهيمنة الأميركية العالمية. كما شهدت هذه المرحلة زيادة التحديات في وجه مفهوم الدولة والسيادة، متمثلة بفاعلية شكل النظام الدولي في الحد من فاعلية دور الدولة على نحو متفاوت سواء عبر العولمة الاقتصادية، وزيادة دور المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسية ومنظمات المجتمع المدني، وحتى الإرهاب، أو من خلال ما يعبر عنه توسع مجلس الأمن في استخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة خلال هذه المرحلة التي شهدت التدخل العسكري الأمريكي في الكويت مروراً بالصومال (1992) وفي هايتي (1994) وكذلك التدخل العسكري في البوسنة والهرسك (1995)، وقادت الولايات المتحدة عملية ثعلب الصحراء في العراق (1998) والهجوم الصاروخي على معمل الشفاء في السودان، والهجوم على معسكرات طالبان في أفغانستان في العام نفسه، والتدخل العسكري في كوسوفو (1998) بدعم حلف الناتو، ليليها غزو أفغانستان (2001) وغزو العراق وتدميره (2003)، بالإضافة إلى استخدام القوى العسكرية متمثلة بالناتو في ليبيا 2011، وفي العراق وسورية عام 2014 بأشكال ومسميات أخرى.
ويرى الباحث: أن تحولات التوازنات الاقتصادية الدولية، منذ مطلع التسعينيات، المترافقة مع الضغوطات الغربية لمواجهة محاولات التمرد على النظام الأحادي القطبية، كانت تدفع الأمور إلى تبلور اتجاهين، الأول: رأسمالية ليبرالية، تحرص على التمسك بالمفهوم الرأسمالي الليبرالي التقليدي الذي يحمل في طياته مفاهيم الهيمنة والتسلط، والثاني: رأسمالية الدولة، في محاولتها التمسك باستقلاليتها، على طريق النمو، بما في ذلك دعم توجهات دول العالم الثالث الاستقلالية التنموية.
«نبض جديد من الشرق»
يشهد عالم اليوم وضوحاً في صعودٍ قوى جديدة تشكل تحديّاً للنظام الذي رعته الولايات المتحدة والغرب عموماً، خلال العقود الأخيرة، حيث يتراجع مركز ودور الولايات المتحدة والغرب الأوروبي في القضايا الدولية، ومن أهم عوامل التراجع:
الأزمة الاقتصادية المندلعة منذ عام 2008، وتداعياتها المستمرة على النمو والبطالة والعجز المالي والركود الاقتصادي. بالإضافة إلى أزمة النظام الديمقراطي في أوروبا والولايات المتحدة، بجمود النظم السياسية، وعدم قدرتها على استيعاب التحولات الجارية في مجتمعاتها، وعجز الأحزاب والمؤسسات السياسية التقليدية، متمثلة بتراجع معدلات المشاركة في الانتخابات، وبتلاشي الحدود بين اليمين واليسار التقليدي، وبروز التيارات الجديدة الشعبوية والقومية المتطرفة. كما أن أزمة الاتحاد الأوروبي والسوق المشتركة وعلامات التفكك، التي بدأت بخروج بريطانيا، ما يمهد لدول أخرى.
ومقابل معالم التراجع الغربي المذكورة، يبرز صعود قوتين أساسيتين: الصين وروسيا، وتحديداً انتقال هذا الدور للتأثير الفعال في السياسات الدولية، والتأثير في صياغة القرار الدولي حول المسائل العالقة.
إن مقومات التحول إلى طرف دولي مستقل بحسب الباحث تقتضي درجة مرتفعة من الاستقلالية، وقدرة على مواجهة القوى الدولية الأخرى، بالإضافة إلى الطابع الشمولي في تركز مقومات القوة المختلفة (الاقتصادية والعسكرية والمعرفية والسياسية والثقافية). فبالنسبة لروسيا وبأخذ الموقف المعلن والمكرر، أن روسيا لا تزاحم مصالح أحد، ولا تفرض وصايتها على أحد، وأن المسعى الروسي نحو التحول إلى دولة رائدة تدافع عن القانون الدولي، وتعمل على ضمان احترام السيادة الوطنية، والاستقلال والأصالة القومية للشعوب، وفق ما اقتبسه د. منير الحمش، من خطاب للرئيس الروسي. والذي يضيف: إن إمكانات روسيا العسكرية والثقافية تتفوق على إمكانياتها الاقتصادية، حيث يقر الروس بالحاجة إلى العمل على جبهة الاقتصاد، وإن الاقتصاد الروسي في المرتبة السادسة عشر عالمياً، وبنسبة (1:7) من الناتج الأمريكي.
وتحقق روسيا نجاحات في حشد الحلفاء في إنشاء التكتلات الإقليمية الاقتصادية، كما في البريكس، بالإضافة إلى منظمة شنغهاي، بالإضافة إلى ما تحققه من مكاسب سياسية متوسعة من تدخلها النشط في القضايا السياسية الدولية، وفي نقاط توتر أساسية كما في جورجيا عام 2008، وفي سورية، وفي أوكرانيا.
أما بالنسبة للصين، فالاقتصاد الصيني هو النقطة الفارقة، حيث إنه يصنف الثاني عالمياً، والأول من حيث القوة الشرائية، وبنسبة 16.2% من الناتج المحلي العالمي. إضافة لكونها الشريك التجاري الأبرز عالمياً، بأهمية استثمارية قياسية، ويرافق هذا الصعود الاقتصادي للصين سعيها الدائم لمراكمة مقومات القوة في فضاءين آخرين هما: القوة العسكرية والقوة المعرفية بالاستعانة بقدراتها الاقتصادية والمالية المتزايدة، كما يبرز الاستثمار المعرفي في الصين، باعتبارها ثاني مستثمر في مجال البحث والتطوير الذي وصل في 2016 إلى 396 مليار دولار.
استمرار المواجهة أم الإذعان؟!
أما حول مستقبل النظام الدولي في اللحظة المضطربة الراهنة، فيترك د. منير الحمش الإجابة مفتوحة، ففي ظل تغيرات معلنة في الإدارة الأمريكية، تتجلى بالموقف من حرية التجارة والشراكات التجارية العالمية، وبالتالي الموقف من العولمة الاقتصادية، وتغيرات في الموقف من حلف الناتو، والاتحاد الاوروبي، ورفع شعار (أمريكا أولاً)، وجميع ما سبق يشير إلى سعي الولايات المتحدة للانكفاء، فالغرب بدأ بالاعتراف بأن العالم يمر بمرحلة عدم يقين، وأتى مؤتمر ميونيخ للأمن في عام 2017 ليضع عنواناً واضحاً: (ما بعد الحقيقة، ما بعد الغرب، ما بعد النظام)، وليعطي الإشارة إلى التحديات التي تهدد بالإطاحة بالنظام الدولي الناشئ بعد الحرب العالمية الثانية، والتخلي عن التحالفات التقليدية!
إن القوى الدولية الصاعدة تدعو إلى نظام (ما بعد الغرب)، ولكن إلى متى ستستطيع القوى الغربية المهيمنة في النظام الدولي السابق، أن تواجه التغيرات الموضوعية في عالم يتغير؟! إن حجم المقاومة الذي تستطيع أن تبديه يفتح الخيارات أمام اتجاهين: إما استمرار الفوضى، أو نظام عالمي جديد أقل هيمنة وأكثر عدالة...

قسم المعلومات
...

  • الجوال : +963 988 212212
  • البريد الإلكتروني : econ.sy@gmail.com