اقتصاد الظل النظيف
مفتاح خلاص السوريين من الفقر:
أولا - نشأة اقتصاد الظل عموما :
هو الجد الأكبر لإقتصادات العالم
نشأ منذ الأزل عندما لم يكن هناك نظم ولا قوانين ..عندما كانت الزراعه بدائيه والصناعه بسيطه...عندما لم يكن هناك عملات حيث المقايضة هي الطريقه الوحيده لتسديد الأثمان...
طبعا هذا الشكل الإقتصادي هو الوحيد الذي كان سائدا إلى أن بدأت المجتمعات بالتحضر والدول بالتشكل والقوانين بالتطور ...عندها تعددت أشكال الإقتصاد وأصبح الإقتصاد الرسمي المنظم هو دستور النشاط والعمل وصار الجد القديم(اقتصاد الظل) رديفا .... من يمارسه ينأى بنفسه عن الضوابط والأحكام الجديده ..لذلك سمي لاحقا بإقتصاد الظل .. له عدة أسماء حيث يطلق عليه الآن اسم الإقتصاد الموازي.. الإقتصاد الخفي ..أو إقتصاد الفيء ...كلها أسماء لمعنى واحد وهو العمل دون ضوابط ودون نظم وبعيدا عن القوانين ..إما بشكل نظيف كالإهتمام بخدمة المجتمع بتأمين احتياجاته السلعيه والخدميه أو بشكل وسخ يهتم بتأمين السلع والخدمات السوداء القذرة ..
ثانيا - تعريف إقتصاد الظل النظيف :
هو كل نشاط تجاري أو إنتاجي أو خدمي نظيف يحقق دخلا ماديا لممارسيه ويحقق خدمة للمجتمع بعيدا عن دفاتر الحكومه وسجلاتها وبعيدا عن شروطها الإداريه والماليه ..كل نشاط من هذا النوع يندرج تحت إسم إقتصاد الظل النظيف ...ممارسته غير مكلفه وأصحاب هذا النشاط هم أصدقاء المستهلك لأنهم يقدمون له خدمات وسلع ومنتجات إما غير متوفره في الأسواق أو أرخص من مثيلاتها التي يقدمها من يعمل في الضوء ...أصحاب هذا النشاط مدانون وملاحقون قانونيا لأنهم يعملون دون ترخيص .. وهم لا يساهمون في رفد خزينة الدوله بجزء من عائداتهم فهم لا يدفعون رسوم ترخيص ورسوم بلديات ورسوم تأمينات إجتماعيه ورسوم ضرائب ماليه ورسوم ضرائب رواتب وأجور ورسوم سجل تجاري ورسوم انتساب لنقابات وغرف تجاره وصناعه وزراعه وسياحه ورسوم ورسوم ورسوم ...
كل هذه الرسوم لايدفعها أصحاب هذا النشاط فهم يعملون في الأقبيه وعلى الأسطح وفي المنازل ومنهم من يعمل في حوانيت بارزه أو في ورشات بالعلن ومنهم مهربون نظيفون بسطاء يساعدون أنفسهم ويساعدون الآخرين على تأمين السلع التي لا يستطيع توفيرها صاحب النشاط الرسمي سواء بتوفيرها إن كانت مفقوده من الأسواق أو بسعر أرخص إن كانت متوفره....!!
طبعا لابد من الإشاره هنا إلى أن إقتصاد الظل النظيف موجود في كل دول العالم حتى المتقدمة منها ولكن تختلف نسبة نشاطه من دولة لأخرى ..وهذا طبعا مرتبط بطبيعة القوانين الخاصه بالعمل والمتاجره ومدى مرونتها أو تعقيدها فكلما كانت الشروط مرنه وسهله كلما تراجعت حدة هذا النشاط والعكس صحيح
ثالثا - دور اقتصاد الظل النظيف في تطور الدول الناشئه :
هو من ساهم ببناء معظم الإقتصادات الناشئه التي تتربع الآن على عرش النمو المتسارع وخاصة تلك الدول التي عاشت حروبا
والأمثله كثيره منها رواندا في أفريقيه
ميانمار وبنغلادش في آسيه
حتى الدول التي لم تعان من حروب ولكنها كانت فقيره ومتخلفه مثل نمور آسيه التي صعدت في الثمانينات معتمدة على السماح بالعمل والانتاج بشروط مرنه بعيده عن التعقيد ومنها سنغافورة وماليزيا وتايوان ..ولا ننسى الهند وكيف تطور اقتصادها ....
الصين منذ الستينات بدأت بالعمل دون تنظيم وشروط وكانت عشرات آلاف الورش تنتج تحت أعين الحكومه ولكن بدون تعقيدات وشروط وهي مثال يحتذى بتدرج تطورها الإقتصادي الصناعي حيث كان الفقر شديدا ومعدل دخل الفرد ضعيفا وهي لم تبدأ بالتنظيم والإشتراط إلا منذ عام 2010 ..انظروا إليها الآن..!!!
رابعا - نظرة عامه لمراحل تطور إقتصاد الظل النظيف في سوريه :
مع بدء الألفيه الثالثه ظهرت بشائر نهوض وتطور الإقتصاد السوري الرسمي مع التحول والإنفتاح نحو آليات جديده تتماشى مع السوق وتتناغم مع التطورات الإقتصاديه في المنطقه والعالم فكان الإقتصاد السوري الرسمي يسجل نموا وتصاعدا مريحا رغم بعض الملاحظات التي أخذت على مساره بأنه كان ينحو منحى خدميا ريعيا لا إنتاجيا زراعيا أو صناعيا ..ولكنه يسير بتقدم وخصوصا في الأعوام الثلاثه التي سبقت الحرب ...ولكن ومع ذلك كان لإقتصاد الظل النظيف دور رديف أيضا في حينها حيث وحسب مؤشرات حكوميه كان له نسبه مشاركه بالانتاج المحلي لا تقل عن 60بالمئه فكان مساعدا مهما وفاعلا في تحسين دخل الفرد حينذاك ..طبعا السبب في ارتفاع تلك النسبه حينها يعود إلى وجود تشريعات غير مرنه تعتمد المنع ثم المنع ثم المنع ولا تعتمد السماح إلا بشروط ولكنها كانت إلى حد ما مقدور على تنفيذها فالحال كان مستقرا والأمور تتحسن وكان مأمولا حينذاك وفق الخطط الحكوميه أن يتراجع هذا النشاط ويتقدم مقابله الإقتصاد الرسمي ولكن أتت الحرب وحصل ما حصل ..
خامسا- ما حاجة الإقتصاد السوري الآن لمثل هكذا إقتصاد ؟؟
ما من شك أن الإقتصاد السوري ومنذ عام 2019بدأ يعاني وبشكل صارخ من آثار الحرب الطاحنه ورافق ذلك عقوبات غربية غليظة قاسيه ضيقت كثيرا على مجتمع الاعمال فتراجع الإنتاج وتراجعت الحركه التجاريه وبدأ التضخم المالي بالظهور وصار اللحاق بمقتضيات العيش ومحاولة ترميم الدخل هو الشغل الشاغل لدى السوريين وخاصة خلال العامين المنصرمين ..ومع ثبات البنيه التشريعيه الخاصه بالإقتصاد وعدم تطويرها بما يتناسب مع الحال المتردي صارت ظاهرة نمو إقتصاد الظل النظيف متفشيه وبارزه للعيان فهو يساهم حسب التقديرات غير الرسميه بأكثر من خمس و ثمانين بالمئه من إجمالي الناتج المحلي وله فضل كبير على تحسين متوسط دخل الفرد وتحسين قدرته على الإستهلاك ولكن للأسف أصحابه مدانون وملاحقون قانونا وهنا تكمن المشكله ..!!
وبهذا المعنى وبعد أن بلغ حال الفقر لدى السوريين حدودا مرهقه.
وبما أن الإقتصاد الرسمي يتهاوى وتعافيه يحتاج الى تغيير جذري ببنية القوانين والتشريعات وبما أن ذلك يحتاج وقتا ودراسة ولجانا فلابأس والحال هذه أن نحرر ممارسي إقتصاد الظل النظيف من الخوف ومن الملاحقه ونطلق لهم العنان ليسدوا هذا العجز في النمو وفي القدره على الاستهلاك خصوصا و أن هذا النوع من النشاط الاقتصادي صار واقعا موجودا ولكنه ملاحق ومدان وغير مرتاح.. وبالتالي فإن شرعنته مرحليا ووضعه تحت الضوء هو أمر ضروري على الأقل أربع سنوات من الآن ريثما ينهض الإقتصاد الرسمي من كبوته..
خصوصا وأنه قد اتضح جليا وبما لا يدع مجالا للشك أن هذا النوع من الإقتصادات يقدم خدمة مزدوجه للمجتمع عند الأزمات فهو من جهة يؤمن فرص عمل حرة ومريحه تحد من ظاهرة الهجره و من جهه أخرى يساهم في تخفيف آلام الدفع التي أصابت معظم السوريين في مقتل ..
سادسا : كيف يمكن لاقتصاد الظل النظيف أن يخفف من وطأة الفقر ؟؟!!
هناك خطوات كثيره يمكن لو اتبعت أن تساعد في تحقيق هذا الأمر وهي ::
- 1 إصدار تشريع يعفي كل من يعمل ويريد أن يعمل بالظل النظيف من الملاحقه والإشتراط والتجريم والإكتفاء بالإعلام والإخبار فقط ومنع التواصل المباشر من كل أجهزة الرقابه الماليه والإداريه والبلديه مع من يمارس هذا النشاط ..على مبدأ دعه يعمل دعه يمر .
- 2 مساعدة فئة الشباب (تشكل 60بالمئه من المجتمع السوري)على تنفيذ طموحاتهم بالعمل دون تقييدهم بشروط إداريه وماليه مرهقه
3 - العمل على تشريع تأجيل الخدمة الإلزاميه لأسباب العمل والإنتاج كما هو متاح لسبب الدراسه وخلافه..فإقتصاد سوريه اليوم بحاجه ملحه لهذه الفئه التي وللأسف صار حلمها الهجره
- 4 طبعا مع تنظيم وقوننة إقتصاد الظل النظيف يصبح العمل مريحا للجميع بشرط أن يظل هذا النشاط مضبوطا ومراقبا فقط.. وأكرر فقط لجهة الغش والتدليس والإحتيال وخاصة ما يخص الغذاء
ختاما وبما أن واقع الحال بائس أعتقد جازما أن وضع إقتصاد الظل النظيف تحت أعين الحكومه وغض الطرف عن ممارسيه مرحليا لاربع سنوات قادمه سيكون حلا مريحا ورديفا يساهم برفع قدرة السوريين على مصارعة الغلاء وتأمين حد الكفاف..
المهندس عصام تيزيني
-
الجوال :
+963 988 212212 -
البريد الإلكتروني : econ.sy@gmail.com