التشاركية الاقتصادية
المفهوم-المبررات-التطبيق-المحاذير:
توطئة :
أثار مصطلح التشاركية الاقتصادية الكثير من النقاش والجدل في سورية على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية، وتباينت الآراء وتضاربات التوجهات الفكرية حول ذلك منذ طرح هذا المفهوم للمرة الأولى عام 2003 وصولاً إلى انتهاج مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي 2005، مروراً بالمؤتمر الأول للتشاركية 2009، وصولاً إلى الحرب على سورية ونتائجها الكارثية، ومرحلة إعادة الإعمار والبناء ومتطلباتها.
اعتمد مناهضو التشاركية على مخاوف تتعلق بالخصخصة وبكفاءة ووطنية القطاع الخاص. وركز مؤيدو التشاركية على أهمية تعبئة وتوظيف كافة الإمكانات والطاقات والموارد الذاتية والمحلية، والحاجة إلى جذب الاستثمارات الخارجية والتوظيف الوطني لها.
من هنا تأتي أهمية ورقة البحث، حيث نحاول من خلالها تحليل نقاط القوة واستكشاف الفرص المتاحة التي توفرها التشاركية الاقتصادية، وذلك لمعالجة نقاط الضعف والمخاوف وتحييد المخاطر والتهديدات التي يمكن أن تنشأ عنها لاسيما في مرحلة إعادة الإعمار. على اعتبار مرحلة إعادة الإعمار، مرحلة خطرة وحرجة وهامة على طريق بناء سورية المتجددة، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
أولاً - مفهوم التشاركية الاقتصادية.
نبذة تاريخية
(التعددية الاقتصادية – القطاع المشترك – القطاع التعاوني):
التعددية الاقتصادية:
منذ مطلع الحركة التصحيحية عام 1970 برز التوجه نحو إرساء أسس التعددية الاقتصادية والتي تهدف إلى جانب الدور القيادي للقطاع العام في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلى إفساح المجال أمام القطاع الخاص ليؤدي دوره في بناء الاقتصاد الوطني؛ وقد قامت فلسفة التعددية الاقتصادية في سورية على القطاعات التالية : القطاع العام – القطاع الخاص – القطاع المشترك – القطاع التعاوني .ومن خلال التجربة السورية في التعددية الاقتصادية يمكن استخلاص النتائج التالية :
1- أن التعددية الاقتصادية هي النهج الاستراتيجي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في سورية ، وهي الأساس الثابت لبناء الوطن بما يضمن وحدته وسيادته ويضمن أمنه واستقراره.
2- إن التعددية الاقتصادية تقوم على ركائز ثلاثة :
القطاع العام وهو صاحب الدور القيادي في عملية التنمية باعتبار أن تحقيق التنمية الاقتصادية مسؤولية تقع على عاتق الدولة ويترتب على القطاع العــام أن ينهض بمسؤولياته الأساسية القيادية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير حاجة الجماهير ومقتضيات الدفاع.
القطاع الخاص باعتباره شريكاً أساسياً في عملية التنمية. لأن بناء الوطن مهمة وطنية تقع على المواطنين كافة وتستوعب جهودهم وخبراتهم وإمكاناتهم جميعاً.
القطاع المشترك هو أسلوب للتعامل بين القطاع العام والقطاع الخاص في المجالات التي يكون فيها هذا التعاون هو الصيغة المناسبة أو الأنسب لتحقيق أهداف محددة أو ممارسة أنشطة في أكثر من مجال من مجالات التنمية.
القطاع التعاوني كشكل من أشكال مساهمة المجتمع الأهلي في عملية التنمية الشاملة.
3- إن المجال متاح، والباب مفتوح أمام إمكانات كل فرد من أبناء القطر العربي السوري ، والوطن العربي – مقيمين ومغتربين – ضمن خطة الدولة وتوجيهاتها للمساهمة في الجهد العام لبناء الوطن.
4- في إطار التعددية الاقتصادية يجب ألا تكون هناك مفاهيم جامدة أو صيغ نهائية لأننا لسنا في نهاية الطريق، وفي كل مرحلة تكون هناك صيغ مناسبة، أو صيغ أكثر مناسبةً.
القطاع المشترك :
إن الحديث عن القطاع المشترك يستدعي أولاً التعرف على موقع هذا القطاع في نظام التعددية الاقتصادية وما أسهم به وما هي احتمالات تطويره في المستقبل ولا بد من الاعتراف مباشرة بأن أبرز إنجازات هذا القطاع تركزت في مجال السياحة.
برز القطاع المشترك بعد اعتماد نهج التعددية الاقتصادية، كأحد القطاعات الاقتصادية الثلاثة في إطار التعددية الاقتصادية.
وشاركت الدولة في عدد من الشركات في مجال السياحة والزراعة والخدمات النفطية والنقل، وتم إحداث بعض الشركات المشتركة مع جهات عربية في مجال الإنتاج الزراعي والغذائي والتأمين ...
ومع ذلك كله فقد بقي القطاع المشترك دون تعريف قانوني محدد في التشريع السوري حيث تبقى المرجعية الحقوقية لشركات هذا القطاع هي النصوص التشريعية الخاصة بها وفق قوانين إحداثها.
وبشكل عام لم يكتب لشركات القطاع المشترك (باستثناء الشركات المشتركة في مجال السياحة وبعض الأمثلة القليلة الأخرى) أي نجاح لافت. فالشركات العاملة في مجال الزراعة في أغلب الحالات متعثرة وهذه حقيقة موضوعية أكدتها تجارب العديد من الدول حيث بقي النجاح في المجال الزراعي مرتبطاً بالفعاليات الفردية الخاصة، ولم تسجل التجارب العملية حتى الآن نجاحاً يذكر لشركات القطاع العام أو للشركات المشتركة، وهذا يرجع أساساً إلى طبيعة الإنتاج الزراعي وشروطه الموضوعية الخاصة به والتي تختلف جذرياً عن طبيعة وشروط سائر الأنشطة الاقتصادية الأخرى.
مما يدعو للاستغراب غياب القطاع المشترك في مجال الصناعة والخدمات خاصة بعد أن صدر القرار رقم/35/ لعام 1986، عن وزير الصناعة استناداً إلى قرار لجنة الاستثمار المشتـرك والخاص الذي أجاز لشركات القطاع الخاص أن تنشط في مجال الصناعات الغذائية والنسيجية والكيميائية والهندسية، وذلك في ضوء توجه تشجيع القطاع الخاص الوطني واجتذاب الفعاليات الاقتصادية العربية للمشاركة في عملية التنمية الاقتصادية وتعزيز القاعدة الإنتاجية. ولكن ذلك لم يفلح في تشجيع قيام شركات مشتركة وطنية أو عربية كما كان متوقعاً. والأكثر غرابة أن يبقى هذا القطاع على حالته بالمقارنة مع تطور القطاعين العام والخاص إثر صدور القانون رقم/10/ لعام 1991، والمرسوم 8 لعام 2007 الهادف إلى تشجيع الاستثمار.
وما نقصده بالشركات المشتركة في هذا العرض هو الشراكة التي تقوم بين القطاع العام والقطاع الخاص وليس الشراكة بين الفعاليات الخاصة الوطنية والشركات العربية أو الأجنبية التي تمت بعد صدور قانون تشجيع الاستثمار.
فلقد أتاح القانون المذكور لشركات القطاع المشترك والخاص كافة المجالات التي كانت مقتصرة على القطاع العام باستثناء قطاع النفط والصناعة الاستخراجية..
لعلنا نتذكر جميعاً ظروف الولادة العسيرة لـ (قانون تشجيع الاستثمار رقم/10/) وما أثاره من نقد ومخاوف خشية تغلغل رؤوس الأموال الأجنبية وتهديد القطاع العام والقطاع الخاص الوطني.. ولقد كانت دوافع هذه المخاوف وذاك النقد الذي استمر تقريباً طوال عقدين، دوافع مشروعة ومبررة، منطلقها الحرص على المصلحة الوطنية وعلى المصالح الاقتصادية الوطنية. ولكن بعد مضي السنين على هذا القانون فإنه لم ينجح في جذب الاستثمارات الأجنبية، بل وحتى العربية منها ظلت متواضعة، ما يفيد بأن التنبؤ في تطور الشؤون الاقتصادية مسألة عسيرة وأن الآراء والأحكام المسبقة في مجريات الاقتصاد هي أصعب بكثير من تحليل الواقع الراهن وتغيره؛ حيث يصح القول بأن تحديد الخطأ فيما هو كائن أسهل بكثير من تحديد الصواب لما ســيكون.
القطاع التعاوني:
بدء ظهور بذور التعاون في سورية في أوائل القرن العشرين حيث كان الأهالي في بلدة أو قرية ما، يجتمعون مثلاً، لشراء وسيلة نقل من أموالهم تنقلهم إلى المدينة أو لشراء مولدة كهرباء تؤمن لهم الكهرباء الضرورية لحياتهم اليومية أو يشتركون في حفر بئر مياه لتامين مستلزمات الشرب والسقاية .....الخ .
وفي عام 1950 صدر القانون رقم 65 الذي سمي قانون التعاون الذي سمح بتأسيس الجمعيات على اختلاف أنواعها تقوم بأعمال الإنتاج الزراعي والصناعي والتصريف والاستهلاك والتموين والإقراض والاقتراض وأعمال الري والتجفيف والحراثة ومكافحة الآفات وبناء المساكن والنقل والإسعاف الطبي وكل عمل يكون التعاون فيه حسب أحكام القانون خير من العمل الفردي. وحدد غايتها بتحسين حالة الأعضاء من الوجهتين المادية والاجتماعية. وظل معمول في هذا القانون حتى الوحدة مع مصر عام 1958 حيث تم تطبيق قانون التعاون المصري رقم 317 لعام 1956 بموجب القانون رقم 91 لعام 1958 وبقي معمولا به حتى لكافة القطاعات التعاونية ما عدا التعاون الزراعي الذي صدر له القانون رقم 21 لعام 1974 وتم اعتباره تنظيما شعبيا واتحاد عام للفلاحين والقانون رقم 13 لعام 1981 الذي نظم التعاون السكني.
وبالعودة إلى أوضاع قطاعات التعاون في سورية، نجد أن تعزيز دور التعاون الزراعي من خلال دمج التنظيم النقابي مع التنظيم التعاوني قد افقد الحركة التعاونية أهم فروعها وأثّر على الحركة كلها فكرياً واقتصادياً و اجتماعياً، أما بالنسبة للتعاون الاستهلاكي فقد نشط في بداية عمله إلا أنه مع تطوره ونتيجة للحصار الاقتصادي الذي تعرضت له سورية في الثمانينيات، انحصرت أغلب مهامه في تلك الفترة بتوزيع المواد المقننة. وفي فترة ما قبل الأزمة والحرب، بدء التعاون الاستهلاكي بتنشيط نفسه والعمل بأسلوب المجمعات وتأمين كافة المواد المتوفرة.
كذلك بدء قطاع النقل التعاوني بداية مشجعة بتأمين المواصلات في المدن والبلدان وفيما بينها ومع الأقطار المجاورة إلا أن ظهور شركات القطاع العام التي تولت هذه المهمة في أغلب المدن أدت لانحسار دوره وجاءت وسائط نقل القطاع الخاص التي سمح باستعمالها في المدن والبلدان وبين المحفظات لتزيد من ذلك الانحسار.
أما التعاونيات السكنية فقد بدأت بداية مشجعة وأخذت دوراً هاما في تأمين السكن جنباً إلى جنب مع القطاع العام والخاص. وعانى التعاون السكني من التراجع في السنوات السابقة نتيجة لعدد من العوامل منها الكساد وتراجع تجارة العقارات وتقارب كلف التنفيذ مع القطاع الخاص والبطء بالتنفيذ والمعوقات الإدارية وتقلص المزايا والإعفاءات. ومع ذلك فقد بنى التعاون السكني ضواحي سكنية متميزة وقام بتنفيذ المرافق العامة والخدمات المشتركة فيها نيابة عن الجهات الإدارية وبأموال التعاونيين مما يوفر على الخزينة العامة المبالغ المخصصة لمثل هذه الخدمات ويتيح إمكانية استثمارها في مناحي أخرى.
إن مواجهة تحديات مرحلة إعادة الإعمار والبناء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وحل مشكلة التنمية ومسألة الإنتاج، والاستجابة لمتطلبات الخدمة العصرية الملحة، ومسايرة ظروف المرحلة، تستدعي الاستفادة من كل جهد، وجمع كل موارد ومدخرات الوطن لتحقيق متطلبات وحاجات المواطنين. و لن يكون ذلك إلا بالاستفادة من كل الجهود وحشد جميع الإمكانات الداخلية والخارجية ضمن نظام أو نهج مقبول لدى معظم المواطنين ولا سيما لأصحاب الرساميل الوطنية المحلية والمغتربة، ويتفق مع ميولـهم الفطرية وحاجاتهم الأساسية.
وفق ما تقدم، نعتقد أن مفهوم التشاركية قادر على المساهمة الفاعلة في تحقيق هذه المهمة. فكما وجدنا أعلاه إن نهج التعددية الاقتصادية رغم أهميته لم يستطع تحقيق أهدافه المرجوة بشكل تام. لاسيما وأن القطاع العام يعاني من الكثير من المشكلات البنيوية على المستوى الإداري والمالي وحتى الاجتماعي، كما أن القطاع المشترك لم يحقق نجاحات يبنى عليها وكذلك أخفق القطاع التعاوني أكثر مما نجح.
من هنا نجد أهمية التشاركية كنهج اقتصادي جديد بعد مرحلة الاقتصاد المخطط ومرحلة اقتصاد السوق الاجتماعي بما يتناسب مع طبيعة المرحلة القادمة.
تعريف التشاركية:
التشاركية كما عرفها قانون التشاركية رقم 5 لعام 2016:
التشاركية هي علاقة تعاقدية لمدة زمنية ومتفق عليها بين جهة عامة وشريك من القطاع الخاص يقوم بموجبها الشريك الخاص بالاستثمار في واحد أو أكثر من الأعمال الآتية:
تصميم أو إنشاء أو بناء أو تنفيذ أو صيانة أو إعادة تأهيل أو تطوير أو إدارة أو تشغيل مرفق عام أو مشروع لدى الجهة العامة. وذلك بهدف المساهمة في تقديم خدمة عامة أو أي خدمة تتوخى المصلحة العامة مباشرة إلى الجهة العامة المتعاقدة أو نيابة عنها إلى المستفيد النهائي.
كما عرف الشريك الخاص على أنه: أي شخص اعتباري أو ائتلاف أشخاص اعتبارية محلية كانت أم خارجية يجري التعاقد معها على نحو يتوافق مع أحد إجراءات التعاقد المنصوص عليها في قانون التشاركية.
التشاركية والخصخصة:
أثيرت العديد من المخاوف المتعلقة بالتشاركية واعتمد أصحابها على اعتبار التشاركية أحد أشكال الخصخصة. وانطلق هؤلاء من اعتبارين:
الأول: يتعلق بالخوف من تحويل شكل الملكية ونقلها من ملكية الدولة (وهي الممثلة لملكية الشعب أي للملكية العامة)، إلى ملكية القطاع الخاص الداخلي، والأخطر منه القطاع الخاص الخارجي.
الثاني: يرتبط بمدى أهلية وقدرة وجدية القطاع الخاص المحلي والخارجي في تحقيق الأهداف المرجوة من التشاركية لاسيما من حيث:
تباين الأهداف والأولويات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بين القطاع العام والخاص. فالقطاع الخاص يهتم للربحية فقط وتعظيم الثروة.
إحجام القطاع الخاص عن الاستثمار في مشاريع البنى التحتية والمشاريع التنموية ذات البعد الاجتماعي والبيئي. بالتالي يتوجه القطاع الخاص إلى الاستثمار في قطاع الخدمات والصناعات التحويلية البسيطة القادرة على تحقيق معدل دوران عالي لرأس المال أو المشاريع غير المكثفة للعمالة مما يعيق معالجة مشكلة البطالة.
وفي معرض الرد على هذه المخاوف نجد:
أولاً : مخاوف الخصخصة :
مبدأ التشاركية يختلف عن مبدأ الخصخصة. فالتشاركية هي قيام القطاع الخاص بإبرام علاقة تعاقدية لمدة زمنية متفق عليها مسبقاً مع جهة عامة حكومية يقوم بموجبها الشريك الخاص بالاستثمار في تصميم أو انشاء أو بناء أو تنفيذ أو صيانة أو إعادة تأهيل أو تطوير أو إدارة أو تشكيل مرفق عام أو مشروع لدى الجهة العامة وذلك بهدف المساهمة في تقديم خدمة عامة أو أي خدمة توفر المصلحة العامة المباشرة. في حين أن الخصخصة تعني نقل ملكية أصول من القطاع العام الى القطاع الخاص بشكل مباشر ونهائي. وهذا ما لا يسمح به قانون التشاركية ولا الدستور.
استطاع المشرع أن يفرض بعض القيود على تشاركية القطاع الخاص والتي ترتبط بالحكومة مباشرةً من خلال فرضه سلطة (مجلس التشاركية) والذي يعد السلطة العليا فيما يتعلق بشؤون التشاركية ويتألف من:
رئيس مجلس الوزراء ونائبه لشؤون الخدمات والشؤون الاقتصادية بالإضافة الى عضوية وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية وعضوية وزير المالية ورئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي ووزير شؤون رئاسة الجمهورية.
بالتالي أعاد هذا القانون السلطة والتحكم وفرض السياسات من خلال هذا المجلس وبتركيبته الحكومية بل على العكس استطاع أن يحسن من واردات الدولة من المبالغ التي سوف يدفعها القطاع الخاص.
بالتالي لا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبار التشاركية شكل من أشكال الخصخصة المستترة لأنها تضمن حق الملكية الجماعية أي ملكية الشعب من خلال الدولة من جهة، واتخذت الصيغ القانونية اللازمة لمنع أي تجاوز من خلال مجلس التشاركية من جهة ثانية.
ورغم ذلك تبقى المخاوف قائمة من تمرير مجلس التشاركية لأي من المشروعات التي يمكن أن تتحول إلى خصخصة، على اعتباره المسؤول عن ذلك. ولهذا نجد من الضرورة بمكان خضوع قرارات مجلس التشاركية إلى رقابة السلطة التشريعية.
ثانياً : أهلية وكفاءة القطاع الخاص المحلي والخارجي :
كان القطاع الخاص المحلي قبل الحرب يساهم بقرابة 70% من الناتج المحلي الإجمالي في سورية. ويهيمن بشكل تام تقريباً على القطاع الزراعي وقطاع الخدمات وقطاع الصناعات التحويلية.
أما فيما يتعلق بالقطاع الخاص الخارجي، فمن المعروف أن أحد أهم حوامل التنمية وروافع النمو الاقتصادي هو الاستثمار الأجنبي وهو يعتبر أحد أهم معايير جاذبية وتنافسية الاقتصاد سواء في البلدان المتقدمة أم النامية وحتى المتخلفة.
ومن المعروف أن القطاع الخاص يمتلك المؤهلات البشرية والمرونة الإدارية والتقنيات المتطورة والأساليب الحديثة في تصميم وتنفيذ مشاريعه بما يفوق إمكانات العديد من الدول حتى المتقدمة منها. بالتالي لا نجد في التشكيك بمدى أهلية وكفاءة القطاع الخاص أي معنى.
أما المخاوف المتعلقة بتوجهات القطاع الخاص، نجد أن المشرع ومن خلال مجلس التشاركية قادر على توجيه القطاع الخاص المحلي والخارجي إلى القطاعات المطلوبة والتحكم بذلك. مع أهمية التأكيد على ضرورة تحديد أولويات تنموية وتوجيه كافة الإمكانات الاستثمارية إليها وتهييء البيئة الاستثمارية التفضيلية لها لا سيما في مجال البنى التحتية والقطاعات الإنتاجية للإنتاج السلعي المادي الحقيقي.
ومن المفيد التأكيد على توزيع الأدوار. حيث هناك قطاعات لا يجب على القطاع العام الخوض فيها كالصناعات التحويلية الصغيرة، والصناعات المتأثرة بتغيرات الأذواق السريع كالألبسة والأحذية وما شابه ذلك. بل التركيز على الخدمات الحكومية والقطاعات الاستراتيجية. لاسيما مشاريع البنى التحتية والخدمات الضرورية كالصحة والتعليم. والقطاعات الاستراتيجية كالطاقة والمياه. وهذه القطاعات الاستراتيجية حكر على القطاع العام لكن يمكن وضمن شروط محددة بدقة السماح في التشاركية فيها كشكل من أشكال الاستفادة من المزايا والقدرات المتاحة للقطاع الخاص لكن بكل تأكيد دون السماح له بالعمل فيها منفرداً. كأن يسمح للقطاع الخاص العمل وفق التشاركية على إنتاج الطاقة دون السماح له بتوزيعها على اعتبار أن عملية التوزيع تتضمن أبعاد اجتماعية وسياسية وأهداف تنموية وطنية.
التشاركية والشراكة والقطاع المشترك:
التشاركية أيضاً لا تعني الشراكة.. وهذه نقطة هامة لأن معظم الانتقادات لقانون التشاركية كانت تخلط بين مفهوم التشاركية من جهة، وبين مفاهيم الشراكة أو المشاركة أو القطاع المشترك من جهة ثانية. على اعتبار أن لهذه الأشكال قوانين متاحة للتطبيق ولا تحتاج لقانون التشاركية.
فالشراكة تقوم على المشاركة بين القطاعين العام والخاص من خلال المساهمة في رأس المال وتنفيذ المشروع وتقاسم إدارته ونتائجه.
بينما التشاركية تقوم على الاستفادة من إمكانات القطاع الخاص لإنشاء وتشغيل المشاريع المقترحة دون المساهمة في رأس المال أو الإدارة. من جانب آخر تستهدف التشاركية جذب الاستثمار الأجنبي (القطاع الخاص الخارجي) بينما الشراكة تعتمد على القطاع الخاص المحلي بشكل أكبر.
من جانب آخر يتعلق مفهوم الشراكة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومشاريع الخدمات، بينما يرتبط مفهوم التشاركية بالمشاريع الكبيرة ومشاريع البنى الأساسية والبنى التحتية. وهذا بحد ذاته أحد المآخذ على قانون التشاركية على اعتبار البنى التحتية والخدمات المرتبطة بها وإدارتها تعتبر من مقومات السيادة للدولة وبالتالي لا يجوز التضحية بهذه السيادة لصالح القطاع الخاص سواء المحلي أو الخارجي.
ولكن نعود للتأكيد على أن التشاركية لا تتعارض مع مفهوم السيادة لأنها تحافظ على رقابة الدولة على حسن التنفيذ والاستثمار وتضمن عودة الأصول إليها جاهزة للاستثمار بانتهاء مدة الاستثمار.
أما من الجانب القانوني فإن مشاريع الشراكة والقطاع المشترك تخضع للقوانين المحلية أما مشاريع التشاركية فغالباً تعتمد مبدأ التحكيم لاسيما عندما يكون المستثمر أجنبياً.
أشكال ونماذج التشاركية الاقتصادية (BOT).
إنشاء وتشغيل وإدارة المرافق العامة التي تقدم الخدمة للجمهور، كان ولا يزال الشغل الشاغل للدولة القديمة والحديثة على حد سواء، ولم تتخل الدول يوماً عن مسؤولياتها تجاه هذه المشاريع التي تمس بنيتها الأساسية.
إلا أنه وفي ظل نظام العولمة وتحرير التجارة الدولية فقد ازدادت الأعباء على عاتق الدولة مما أثقل كاهلها وأصبحت لا تستطيع تمويل كافة مشاريع البنية الأساسية وتشغيلها بصورة دائمة بما يوفر الخدمات المطلوبة منها على الوجه الأكمل وبما يواكب تطورات العولمة والانفتاح على السوق وخاصةً أن هناك العديد من الدول عجزت مالياً عن إدارة مرافقها العامة الاقتصادية بسبب الخسائر الضخمة للقطاع العام، وقد أثبتت التجربة عدم نجاح إدارة الدولة وأشخاص القانون العام للمرافق العامة الاقتصادية في معظم دول العالم المتقدمة والنامية، حيث تعاني من انخفاض العائد من الاستثمارات التي تدار بواسطة القطاع العام إضافة إلى عدم قدرة هذا القطاع غالباً على الاستخدام الأمثل للموارد. بسبب البيروقراطية والترهل والهدر والفساد.
إزاء ذلك اتجهت معظم الدول نحو مشاركة القطاع الخاص في تقديم وتنمية وتطوير الخدمات العامة الأساسية ذات الطابع الاقتصادي. ولم يقتصر هذا الاتجاه على الدول الصناعية فقط بل امتد ليشمل البلدان النامية على اختلاف درجات تقدمها وتطورها وملاءتها المالية، لذلك فقد انصرفت الأفكار إلى ضرورة إيجاد آليات قانونية واقتصادية توفق ما بين متناقضين وهما تدخل القطاع الخاص في إنشاء وإعداد المرافق العامة وإدارتها، وفي الوقت نفسه عدم التفريط في ملكية هذه المرافق وتنظيمها والتي تشكل رأس مال اجتماعي مهم. وكذلك عدم التفريط في الدور الاجتماعي الذي قامت لأجله هذه المرافق والمتجسد في تحقيق النفع العام ضمن ظروف الاستمرار والانتظام والمساواة بين المواطنين في اقتضاء الخدمات من هذه المرافق.
وقد ظهر نظام عقود الـB.O.T باعتباره الأسلوب الذي يتناسب مع ضخامة المشروعات المطلوب من الدولة إقامتها، وحجم الأموال اللازمة لتمويلها، فيسمح للدول بإقامة تلك المشروعات دون أن تتكبد ميزانيتها أعباء التمويل. وبذلك شكل عقد B.O.T منعطفاً جوهرياً في كيفية إدارة المرافق العامة في الدول. فهو عقد جديد في حلته انتشر في مختلف دول العالم بما في ذلك الدول العربية انتشاراً سريعاً خلال العقدين الماضيين.
ماهية عقود الـ BOT :
عقود الـ B.O.T تعتبر من العقود الحديثة نسبيًاً في المعاملات الاقتصادية الجديدة المحلية منها والدولية وقد بدأ الاهتمام بهذه العقود منذ ثمانينات القرن الماضي.
واصطلاح الـ B.O.T هو اختصار لكلمات انكليزية ثلاث هي : البناء Build - التشغيل Operate - نقل الملكية Transfer.
وتستعمل الكلمات المذكورة للدلالة على المشاريع التي تمنحها الدولة بواسطة الامتياز للقطاع الخاص بهدف إقامة البناء وتشغيل المشروع وذلك لحساب القطاع العام وإدارته ومؤسساته العامة ضمن مهلة محددة تنتقل بعدها ملكية المشروع إلى الدولة أو أحد أشخاص القانون العام في صورة صالحة للتشغيل.
ونظراً لحداثة هذا النظام على المستوى الدولي فإنه لم يتم وضع تعريف موحد جامع ومانع لتعريف هذا العقد.
فقد عرفت لجنة الأمم المتحدة للقانون النموذجي (اليونيسترال) عقد الـ B.O.T بأنه: " شكل من أشكال تمويل المشروعات تمنح بمقتضاه حكومة ما لفترة من الزمن أحد الاتحادات المالية (شركة المشروع) امتياز لتنفيذ مشروع معين، وتقوم شركة المشروع ببنائه وتشغيله وإدارته لعدد من السنوات تسترد خلالها تكاليف البناء وتحقق أرباحاً من تشغيل المشروع واستثماره تجارياً وفي نهاية مدة الامتياز تنتقل ملكية المشروع إلى الحكومة ".
أما منظمة اليونيدو UNIDO المنظمة الدولية للتنمية الصناعية فقد عرفت عقد الـBOT بأنه: " اتفاق تعاقدي بمقتضاه يتولى أحد أشخاص القطاع الخاص إنشاء أحد المرافق الأساسية في الدولة بما في ذلك عملية التصميم والتمويل والقيام بأعمال التشغيل والصيانة لهذا المرفق ، حيث يقوم هذا الشخص الخاص بإدارة وتشغيل المرفق لفترة زمنية محددة يسمح له فيها بفرض رسوم مناسبة على المنتفعين من هذا المرفق ، شريطة ألا تزيد على ما هو مقترح في العطاء وما هو منصوص عليه في اتفاق المشروع لتمكين ذلك الشخص من استعادة الأموال التي استثمرها ومصاريف التشغيل والصيانة بالإضافة إلى حصوله على عائد مناسب من الاستثمار وفي نهاية المدة المحددة يلتزم بإعادة المرفق إلى الحكومة أو إلى شخص جديد يتم اختياره عن طريق الممارسة العامة ".
ويعرفه جانب من الفقه بأنه: " طريقة تمويل مشروع تعطي الحكومة بموجبه امتيازاً لفترة زمنية محدودة لشركة خاصة، من أجل إنجاز وتطوير واستثمار مشروع عام من مشاريع البنية التحتية، حيث تتولى هذه الشركة على نفقتها بناء وإنجاز الأشغال واستثمار المشروع طوال فترة العقد، وتسترجع بطريقة الاستثمار كلفة المشروع والأرباح المرتقبة من العملية، ثم تنقل ملكية المشروع إلى الدولة بنهاية مدة العقد".
كما عرفه جانب آخر من الفقه بأنه:" نمط من أنماط العقود الحديثة التي تلجأ إليها الإدارة العامة من أجل تنفيذ أشغال عامة وإدارة مرافق عامة، وتشغيلها واستثمارها من قبل القطاع الخاص لفترة زمنية محددة مقابل استثمارها والانتفاع منها خلال تلك الفترة ثم إعادة كامل ملكيتها إلى الإدارة المتعاقدة بعد انتهائها ".
أولاً : مزايا عقد الـ B.O.T:
إن الغاية من اللجوء لأسلوب الـ B.O.T هي الإفادة من موارد القطاع الخاص لإنشاء البنى التحتية دون الحاجة لتحميل موازنة الدولة هذه الأعباء المالية أو دون الحاجة إلى الدين العام وهو يساعد على اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية للإفادة من فرص استثمارية تكاد تندر في الدولة الصناعية، مما يساعد الدولة المضيفة للاستثمار للوصول لتكنولوجيا ومهارات غير متوافرة محلياً ومواصلة حركة الإنشاء والتنمية. وهنا يكمن مفهوم نقل المعرفة من خلال التشاركية الاقتصادية.
ويساعد هذا الأسلوب على توجيه موارد الدولة العامة إلى القطاعات الاجتماعية التي تفتقر لمردود اقتصادي مباشر كالتعليم والصحة وتوفير فرص عمل جديدة من خلال القطاع الخاص ونقل التكنولوجيا الحديثة والمعرفة الفنية إلى البلاد التي تساهم في تحقيق الفاعلية والسرعة اللازمتين لتشييد المرفق وتشغيله وتحقيق الربح منه. فمصلحة القطاع الخاص تقتضي نقل واستخدام التكنولوجيا الحديثة، وهذا بدوره يؤدي لرفع كفاءة التشغيل ومستوى خدمات البنية الأساسية، نظراً للخبرة المالية والفنية والإدارية للقطاع الخاص عن غيره من القطاعات.
أما فائدة هذا النظام بالنسبة للمستثمر فتتمثل في العائد المالي الذي يتحصل عليه والذي يمكنه من استرداد تكلفة المشروع بالإضافة إلى هامش مرضي من الربح.
مما تقدم نجد أن عقود الـ (B.O.T) تحقق فوائد للدولة، وهي بالخصائص والميزات التالية :
1- تمكن هذه العقود الدولة من إنشاء مشروع حيوي دون إجراء عملية اقتراض أو ضمان أو ديون أو ضرائب إضافية من أجل زيادة العائدات. لأن التمويل المباشر من الميزانية العامة لن يكون لازماً حيث إن مصادر القطاع الخاص سوف تسخر لإنشاء وتطوير البينة الأساسية، بشرط أن يسمح له باستغلال المشروع لفترة زمنية كافية لاسترداد ما أنفقه بالإضافة إلى ربح مناسب لما تحمله من مخاطر.
2- تستفيد الحكومة عن طريق عقود الـ B.O.T من خبرات القطاع الخاص في إدارة وتشغيل هذه المشاريع. حيث تبين أن القطاع الخاص أكثر حرصاً وكفاءة في إدارة المشروعات الكبرى، وأن سرعة التنفيذ والاقتصاد في التكلفة أمور يحرص عليها أكثر من غيره.
3- إن أهم ما يقوم به المستثمر في تعاقده مع الدولة هو ضمان مخاطر الـ (B.O.T) المالية من كلفة إنجاز المشروع، ومخاطر الدفع والتضخم النقدي فضلاً عن المخاطر السياسية.
لذلك فهو يضطر لإنجاز المشروع بدقة وبأقصى سرعة ممكنة، لكي يتسنى له استرداد التكاليف وتحقيق الأرباح المرجوة. وتبقى للحكومة السيطرة الاستراتيجية على تلك المشاريع التي ستعاد إليها في نهاية المطاف.
4- إن أموال القطاع الخاص المستخدمة في مشاريع الـ (B.O.T) لا تدخل في أرقام الموازنة العامة (حساب النفقات) وبالتالي فإنها تخفف من مقدار عجزها، وهي تشكل مصادر إضافية مساعدة، لتمويل وتطوير مشاريع أساسية، ضمن سياسة الدولة الإنمائية بمشاركة القطاع الخاص الذي يزداد تدخله في مشاريع الدولة المختلفة بشكل مطرد.
5- إن تنفيذ المشاريع بطريقة الـ (B.O.T) يشكل حافزاً قوياً لجذب الاستثمارات الخاصة لمشاركة الدولة في تلك المشاريع، لما يتضمنه من ضمانات الربح للممولين الذي يعتمدون في تقديراتهم على دراسات وتصاميم دقيقة في إنجازها وتشغيلها بالاستعانة بأصحاب الخبرة والاختصاص.
6- إن تشغيل المرافق العامة في ظل امتياز الـ (B.O.T) يسير على أكمل وجه، نظراً لما يتمتع به القطاع الخاص، وخاصة على مستوى المؤسسات والمنظمات الدولية من الخبرة والدقة في إنجاز المشاريع وإدارتها، بعد إعداد الدراسات القانونية والمالية والإدارية والتقنية اللازمة، مما ينعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي والمالي للبلد المضيف، ويساهم في تطوير عمل المؤسسات وتشجيع الاستثمارات، وتوسيع أسواق المال والتسليفات النقدية لتمويل أكبر عدد ممكن من المشاريع.
7- إن التلزيم بطريقة الـ (B.O.T) يساهم في تطوير إمكانيات البلد الاقتصادية، وتدريب العمال المحلين على أحدث التقنيات المستخدمة، ويساهم في إدخال التكنولوجيا الحديثة في شتى الميادين الاقتصادية والإنتاجية، وفي تطوير أسواق رأس المال الوطنية، ويساهم أيضاً في الحد من وقوع الهدر بأوجهه المختلفة، بحسبان إن القطاع الخاص يقوم بتصميم وتخطيط عملية تأمين المواد اللازمة والتجهيزات الضرورية للتنفيذ والتشغيل، بما يملكه من خبرة عملية وفنية وعلاقات خارجية، بأدنى كلفة ممكنة تحقيقاً للربح وتوفيراً للإمكانيات .
8- إن مشاريع الـ (B.O.T) الحديثة، المطبقة في غالبية الدول النامية، تتم من خلال إجراء استدراج عروض دولية بالغة التعقيد، لاختيار المتعهدين من أجل تنفيذ تلك المشاريع خلال فترة زمنية معينة، بعد عرض التصاميم الأولية والشروط الخاصة بإجراءات التنفيذ عليهم.
9- إن هذا النمط الجديد في تمويل وإنجاز المشاريع والمنشآت العامة، يتميز أيضاً عن أساليب التلزيم التقليدية الأخرى، فهو يختلف عن عقد المخاصصة أو المزارعة أو المصانعة وحتى عقود الإدارة. الذي يتولى بموجبه أحد الأفراد، بالاتفاق مع شخص عام موجود أصلاً، تشغيله على مسؤوليته الخاصة وليس على حسابه لقاء جزء من الإيرادات أو الأرباح الحاصلة بفضل هذا الاستخدام، يحدد عادة بنسبة مئوية معينة.
ثانياً: عيوب عقد الـ B.O.T:
إن الميزات التي حققها نظام الـ B.O.T قد يقابلها بعض المساوئ ولعل أخصها تشابك العلاقات التعاقدية بالنسبة للإدارة المتعاقدة وارتفاع تكلفة إعداد وتحضير مستندات التعاقد وتعيين وتدريب مستشارين فنيين وماليين وقانونيين لتمويلها وهو ما يستنزف أموالاً كثيرة بالنسبة للأجهزة الحكومية.
كما أن الإدارة قد تضطر إلى الدخول في اتفاقات تعاقدية مع القطاع الخاص (الملتزم) الذي يقوم ببناء وتشغيل المرفق العام وفيه تتعهد الإدارة بشراء الخدمة أو المنتج مباشرة وسداد المقابل المتفق عليه، كما تتحمل الإدارة المتعاقدة بمقتضى الامتياز الممنوح للشركة الموكل إليها المشروع الجزء الأكبر من المخاطر السياسية كالتأميم أو تغيير القوانين أو العنف السياسي أو الحرب وتلتزم جهة الإدارة بتعويض شركة المشروع عن الأضرار الناتجة عن هذه المخاطر.
أما سلبيات هذا النظام على الملتزم أو المستثمر فتتمثل في تحمله مخاطر تجارية متنوعة وعالية التكاليف في حال عدم صحة دراسات جدوى المشروع أو تغير ظروف السوق، وخصوصاً في حالة عدم وجود دعم حكومي أو التزام بشراء الخدمة. وهناك مخاطر تتصل بعملية البناء والتشييد كالتأخير في عملية تنفيذ المشروع، أو الارتفاع المفاجئ في تكاليف مواد البناء والتجهيزات، والمخاطر المرتبطة بعملية البناء والتشغيل والصيانة مثل عدم كفاية الطلب من الجمهور لتحقيق هامش الربح المتوقع. وكل ذلك يؤدي إلى زيادة المخاطر الملقاة على عاتق مؤسسات التمويل، ويستتبع ذلك ارتفاع المخاطر على عاتق البنوك وبالتالي زيادة الفوائد على القروض التي تتحملها في النهاية شركة المشروع. هذا بالإضافة إلى طبيعة المشروع ودور البنوك في التمويل يجعل جهات الإقراض اليد العليا في علاقتها بشركة المشروع وفي كيفية تحديد شكل ومضمون المستندات التعاقدية وفي التأمين على المشروع.
عقود التشاركية المشابهة لعقد الـ B.O.T:
أولاً : عقد الـ B.O.O.T :
تعد عقود الـ B.O.O.T (Build–Own-Operate- Transfer) والذي يعني(البناء والتملك والتشغيل ونقل الملكية) . ويختلف هذا النوع من العقود عن سابقه الـB.O.T في أن المستثمر يتملك المشروع طيلة فترة العقد ولا يقتصر حقه على استغلال المرفق فقط بل إنه يتملك المرفق ويستغله وفي نهاية مدة التعاقد ينقل ملكية المرفق إلى الإدارة المتعاقدة ، فلا خلاف حول ثبوت حق الملكية لجهة الإدارة المتعاقدة في ظل عقود الـ B.O.T.
أما المستثمر في عقد الـ B.O.O.T يقوم ببناء المشروع وتزويده بالمعدات والآلات اللازمة وتملكه، وتشغيله وإدارته خلال مدة معينة وذلك تحت إشراف الجهة الإدارية المتعاقدة ورقابتها وعقب انتهاء هذه الفترة تنتقل ملكية المشروع للدولة.
ثانياً : عقد الـB.L.T. :
اصطلاح الــB.L.T (Build – Lease- Transfer) وهي تعني البناء والإيجار ونقل الملكية ، وفي هذا العقد تقوم شركة المشروع بإنشاء المرفق على نفقتها وبعد ذلك تقوم الجهة الإدارية المتعاقدة باستئجار المرفق واستغلاله من شركة المشروع مقابل حصول شركة المشروع على مقابل مالي وبشكل دوري طيلة مدة العقد ، وفي نهاية مدة العقد يؤول المرفق إلى الجهة الإدارية المتعاقدة التي تقوم باستغلاله دون أي التزام تجاه شركة المشروع .
ثالثاً : عقد L.R.O.T :
اصطلاح الـ L.R.O.T (Lease – Renewal Operate- Transfer) وتعني عقد الإيجار والتجديد والتشغيل ونقل الملكية ، وفي هذا العقد تقوم الشركة باستئجار مشروع قائم من الجهة الحكومية ، ثم تجدده وتحدثه وتشغله خلال فترة العقد ثم تعيد ملكيته إلى الجهة الحكومية بدون مقابل بعدما تكون قد حدثته .
رابعاً : عقد B.T.O :
واصطلاح الـ B.T.O: (Build-Transfer-Operate) و تعني عقد البناء ونقل الملكية والتشغيل، وفي هذا العقد يقوم المستثمر ببناء المشروع على نفقته الخاصة ثم يلتزم بنقل ملكيته للدولة، على ان تلتزم الدولة بتحرير عقد أخر مع المستثمر لإدارة وتشغيل المشروع لمدة محددة، يتحصل خلالها على ارباح المشروع.
خامساً : عقد الـ B.L.O.T:
واصطلاح الـ B.L.O.T:(Build- Lease – Operate - Transfer ) وهي تعني التشييد والاستئجار والاستغلال والتسليم ، وفي هذا العقد يقوم المستثمر بتشييد المرفق ثم يقوم باستئجاره من الإدارة المتعاقدة من أجل استغلاله والحصول على مقابل ما يقدم من خدمة لجمهور المنتفعين ليسترد ما دفع من رأس المال ويحقق عائد ربح معقول طيلة فترة الاستئجار المتفق عليها مع الإدارة المتعاقدة ، وذلك تحت إشراف الجهة الإدارية ورقابتها ثم يقوم بتسليم المرفق للجهة المتعاقدة في نهاية تلك المدة بحالة جيدة تسمح باستمرار استغلاله .
سادساً : عقد الـ D.B.F.O:
واصطلاح الـ D.B.F.O (Design- Build – Finance- Operate) وهو يعني التصميم والتشييد والتمويل والاستغلال ، وفي هذا العقد يقوم المستثمر بتشييد مرفق معين وفقاً للتصاميم التي تضعها جهة الإدارة المتعاقدة ، وذلك على نفقة المستثمر على أن يتملك المستثمر المرفق بحيث يتاح له المجال للاقتراض بضمان موجودات المرفق وأصوله ، كما يحق للمستثمر استغلال المرفق ويكون للإدارة المتعاقد الحق في الحصول على قيمة الأرض التي أقيم عليها المرفق مع نسبة من الأرباح طيلة فترة العقد مع منحها للمستثمر التراخيص ، وعند انتهاء مدة العقد يظل المستثمر متملكاً للمرفق ولا تؤول ملكيته للإدارة كما هو الحال في عقود الـB.O.T.
وهذا أحد أشكال التشاركية التي يجب الحذر منها لأنها تتضمن شكل من أشكال الخصخصة.
سابعاً : عقد الـB.O.O :
واصطلاح الـ B.O.O (Build – Own – Operate) ويعني التشييد والتملك والاستغلال، وفي هذا العقد تقوم جهة الإدارة المتعاقدة بإبرام عقد مع المستثمر لإقامة المشروع وتملكه وتشغيله، وفي هذه الصورة يتملك المستثمر المشروع كلياً ويكون للإدارة نصيب من إرادات المشروع مقابل استغلاله، وفي نهاية مدة العقد يكون للمستثمر الحق في التصرف في المشروع دون الالتزام بإعادته لجهة الإدارة المتعاقدة.
وهذا أحد أخطر أشكال التشاركية التي يجب الحذر منها لأنها تتضمن الخصخصة.
ثامناً : عقد الـM.O.O.T:
اصطلاح الـ M.O.O.T (Modernize – Own - Operate - Transfer )يعني التحديث والتملك والاستغلال ونقل الملكية ، وفي هذا العقد يتعهد أحد المستثمرين بتحديث أحد المرافق العامة أو أحد مشروعات البنية الأساسية وتطويره تكنولوجياً ، على أن يتملك المشروع أو المرفق طيلة فترة العقد ، ويحصل على إيراداته وفي نهاية المدة المحددة في العقد يقوم بتسليم المشروع أو المرفق للإدارة المتعاقدة دون مقابل . أي أنه المستثمر في عقد M.O.O.T يصبح مالكاً للمشروع أو المرفق ويقوم باستغلاله طوال فترة التعاقد ثم يتنازل عن ملكيته للدولة في نهاية مدة العقد دون مقابل، وملكية المشروع في هذا النوع من العقود لا تنتقل فعلاً إلى المستثمر وإنما الذي ينتقل هو ملكية عناصر وموجودات المشروع المنقولة التي أدخلها المستثمر على المشروع. ويلاحظ أن وجه الالتقاء بيت عقديB.O.T وM.O.O.T أن كليهما يتضمنان التشغيل ونقل الملكية إلى الدولة بعد نهاية مدة العقد ، في حين يختلفان في نقطة جوهرية وهي أن المشروع في عقد B.O.Tلا يكون موجوداً قبل التعاقد إنما يقوم المتعاقد بإنشائه أما في عقودM.O.O.T فإن المشروع يكون موجوداً قبل التعاقد ولكن يحتاج إلى تحديث وتطوير وإعادة تأهيل وفقاً للمعطيات التكنولوجية الحديثة.
تاسعاً : عقد R.O.O:
اصطلاح الـ R.O.O (Rehabilitate- Own- Operate) يعني التجديد والتملك والتشغيل، وفي هذا العقد تقوم الإدارة بإبرام عقد مع المستثمر ليقوم بالإنفاق على تحديث المرفق العام ، سواء من حيث المباني والآلات والمعدات أو الأجهزة التقنية والتكنولوجية ، وبعد تجديد المستثمر للمرفق يدفع للدولة القيمة المالية المتفق عليها حتى تنقل إليه ملكية المرفق ليتولى استغلاله للحصول على إيراداته . وهذا العقد ليس إلا صورة من صور خصخصة المرافق العامة المتعثرة التي تعجز إيراداتها على توفير نفقات التجديد والتطوير فتقوم الدولة بإبرام مثل هذه العقود لتحميل القطاع الخاص عبء تحديثها وتطويرها.
بقي أن ننوه إلى أن التشاركية ولكونها مرتبطة باحتياجات ومتطلبات وضرورات سورية، فهي قد تكون مفتوحة على نماذج من العقود المبتكرة غير المسبوقة وهذا بحد ذاته يتطلب تدقيقا ودراية كاملة بما نريده ووسائل الوصول إليها دون أن يكون على حساب عقود من المكتسبات، نأمل ألاّ نجد أنفسنا في محشر الضرورات التي تبيح المحظورات، وهنا يخطرنا التساؤل حول مبدأ “التشغيل لصالح الغير” الذي وقعته وزارة الصناعة مع الخاص، في أي خانة يصنف؟!.
وكذلك المشاريع التي أعلنت وزارة النقل فيما يتعلق بخدمات الفحص الفني للمركبات وإدارة مطار دمشق الدولي.
مبررات و ضرورات التشاركية :
حجم الدمار الهائل الذي خلفته الحرب الظالمة التي تعصف بسورية منذ ما يزيد عن 12 سنة، والذي يقدر بحسب مصادر البنك الدولي بما لا يقل عن 300 مليار دولار. والتحديات الكبيرة الاقتصادية (التمويلية-التقنية-الفنية-المعرفية) والاجتماعية والبيئية والسياسية لمرحلة إعادة الإعمار والبناء، تفوق الإمكانات المتاحة محلياً حتى لو تضافرت كل الجهود والموارد والإمكانات المحلية. من هنا كان لا بد من إيجاد تشريع مناسب لهذه المرحلة يحقق الأهداف الرئيسة التالية:
تعبئة واستثمار كافة الطاقات والموارد والامكانات المتاحة وحشدها بشكل فعال لتحقيق التعافي الاقتصادي ولخدمة مرحلة إعادة الإعمار وتحقيق التنمية المتوازنة للمجتمع بما يفوت الفرصة على أعداء سورية من استثمار أية ثغرات أو عجز. مع العلم المسبق أنها لن تكون كافية لمواجهة التحديات.
المساهمة في تأمين التمويل اللازم لعملية إعادة الإعمار والبناء حيث لا تكفي مصادر التمويل المحلية (عام وخاص مقيم ومغترب) بما يساعد الدولة على عدم الاقتراض الخارجي إلا بالحدود الآمنة ودون اللجوء إلى المؤسسات المالية الدولية المسيسة.
الاستفادة من قدرة القطاع الخاص المحلي والخارجي على نقل وتوطين التكنولوجيا المتطورة وتعزيز المحتوى المعرفي من خلال استثمار أرقى التقنيات في تنفيذ مشاريع التشاركية.
تعتبر التشاركية عامل تشجيع وجذب فعال للاستثمار الأجنبي والاستفادة من قدراته التمويلية والتكنولوجية والمعرفية.
قد تساهم مشاريع التشاركية مع الرساميل الخارجية بالالتفاف على الإجراءات الاقتصادية أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري.
لذا فإن رؤية القانون رقم 5 للتشاركية تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث يبرز دور الدولة في اتخاذ القرار ورسم السياسات، أما دور القطاع الخاص فيبرز في تنفيذ المشاريع والمشاركة في أدائها بناء على فكرة عدم كفاءة تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية إذا ما اقتصرت على أي من الدولة وأجهزتها فقط، أو القطاع الخاص بشكل منفرد. لافتا إلى ما يمكن تحقيقه من فوائد التشاركية مثل وفورات في التكاليف، واقتسام المخاطر والتي قد تتمثل في تجاوزات بالتكاليف، أو في عدم القدرة على الوفاء بجداول أو مواعيد تسليم الخدمات، أو الصعوبة في الالتزام بالتشريعات الخاصة بالبيئة وغيرها، أو الخطورة في أن تكون الإيرادات غير كافية لدفع التكاليف التشغيلية والرأسمالية.
ومن الفوائد أيضاً تحسين مستويات الخدمة أو الحفاظ على المستويات الحالية للخدمة، وتعزيز الإيرادات، والتنفيذ الأكثر كفاءة، والمصلحة العامة عبر استفادة المواطنون كثيراً عندما تتكامل جهود وخبرات الجهات الحكومية مع التقنية ومصادر الشريك الخاص لتقديم الخدمات للجمهور، فالمصلحة العامة أمر تسعى إليه الحكومة وتهتم به ويمكن تحقيقه من خلال التشاركية مع الشريك الخاص.
من أهم أسباب التشاركية ومبررات اللجوء إليها تتمثل في:
عدم قدرة الحكومات على تحقيق التنمية المستدامة بمفردها.
محدودية الموارد المالية والبشرية والتكنولوجية لدى القطاع العام.
تقلص موارد التمويل المخصص لبرامج التنمية الاجتماعية ومطالبة المواطنين بتحسين الخدمات المقدمة من المؤسسات الحكومية.
التوسع في اتخاذ القرار خدمة للصالح العام.
تحقيق قيمة أعلى للأموال المستثمرة.
المساهمة في نقل المعرفة وتوطين التكنولوجيا المتطورة ونقل المحتوى المعرفي من خلال مشاريع البنى الأساسية التي تستهدفها التشاركية.
سريان العمل بنظام التشاركية سيسهم في تخفيف العبء عن ميزانية الدولة التي تراجعت إيراداتها نتيجة الحرب، من خلال جذب رؤوس الأموال من القطاع الخاص لتمويل المشاريع، وأحد أهم مبررات التشاركية يكمن في التخلص من الروتين والبيروقراطية التي يتسم بها القطاع العام، مقارنة مع مرونة القطاع الخاص في تحقيق الربحية وإدارة المشاريع.
في التشاركية يصبح القطاع الخاص شريكاً أساسياً في تحقيق التنمية، والتجارب أثبتت أنه بالتشاركية تمتلك الدولة قاعدة اقتصادية قوية ومتينة تكون أكثر قدرة على تحمّل الصعوبات وتجاوز الأزمات.
هي مرحلة جديدة في تاريخ الاقتصاد السوري بعد أن تصبح جميع المجالات مفتوحة للاستثمار بما فيها قطاعات سيادية (وهذا من أهم المآخذ على قانون التشاركية)، كالماء والكهرباء والنفط والغاز، وسيفتح الباب على مصراعيه للقطاع الخاص للحصول على قروض من المصارف العامة لتمويل مشاريعهم التشاركية، ويحقق مشروع قانون التشاركية انطلاقة في سورية إلى فضاءات التنمية والبناء والإعمار، بما يحقق تأمين الموارد ومعالجة البطالة والحدّ من المديونية وترميم البعد الاجتماعي، وتنمية الأرياف وإطلاق المشاريع السورية المتنوعة.
الحاجة لرفع سوية البنى التحتية الاستراتيجية في سورية، (وتحديداً الكهرباء والنقل والمرافق البلدية) من أجل دعم التنمية الاقتصادية الشاملة.
ضخامة حجم مشروعات البنى التحتية من حيث الكلفة وبشكل يفوق ما هو مخصّص للإنفاق الاستثماري في الموازنة العامة للدولة.
عدم رغبة الحكومة في الاقتراض الخارجي المكثّف لتمويل المشروعات الكبرى لما لذلك آثار وتبعات سلبية.
اقتناع الحكومة بكفاءة القطاع الخاص في إدارة المرافق والبنى التحتية الاستراتيجية، وذلك من خلال ما تم إنجازه في العالم والدول المحيطة خلال الأعوام العشرين الماضية.
توظيف أموال القطاع الخاص والمصارف في مشروعات ذات مردود جيد، ولها طابع تنموي في الوقت نفسه.
مخاطر ومحاذير التشاركية:
ما سبق لا ينفي وجود مخاطر لهذه التشاركية مثل فقدان السيطرة من جانب ممثلي القطاع العام على مجريات العمل- زيادة التكاليف – المخاطر السياسية – ضعف مستوى المراقبة والمساءلة – الإنتاج غير المطابق للمواصفات والمقاييس – ضعف مستوى التنافس بين الشركاء – التحيز في اختيار الشركاء – رفض المجتمع للمشروع، إضافة إلى تعدد الموافقات والتراخيص اللازمة بشكل مبالغ فيه – ضعف الوعي العام بأهمية ومزايا المشاركة الخاصة في تمويل وتطوير وتشغيل مثل هذه المشروعات وما لها من آثار إيجابية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية- ضعف الوعي العام بالأشكال المختلفة للمشاركة الخاصة في مثل هذه المشروعات والاعتقاد السائد لدى العامة بأن المشاركة الخاصة تقتصر فقط على الخصخصة- وجود فرصة للتنافس بين الشركاء الخاصين المحتملين ما يقلل تكلفة تقديم الخدمات العامة- مشاركة القطاع الخاص في الخدمات تتيح فرصة الابتكار والاختراع وتوطين التكنولوجيا وتعزيز المحتوى المعرفي.
– التشاركية الاقتصادية في مواجهة مشاريع إعادة الإعمار الخارجية.
التجارب الدولية في إعادة الإعمار .
عودة سريعة للتاريخ القريب فيما يخص تجارب إعادة الإعمار تسمح لنا باستخلاص الملامح العامة الواجب توافرها بسياسات إعادة الإعمار لضمان نجاحها. تجربتان أساسيتان تستحقان إلقاء الضوء عليهما، الأولى وهي التجربة الأكثر شهرة، وإن لم تكن الأكثر كفاءة، هي تجربة إعادة إعمار أوروبا الغربية. فلأن كانت الموارد الداخلية للدول الأوروبية بُعيد الحرب غير كافية لإتمام عملية إعادة الإعمار بالسرعة الضرورية التي يفترضها " الصراع الوجودي" للرأسمالية مع الاتحاد السوفيتي، فقد تدخلت الولايات المتحدة عبر مشروعها الشهير "مشروع مارشال" لتأمين التمويل اللازم، رادمة الفجوة بين حجم التمويل اللازم، والمتوافر منه من موارد أوروبا الغربية الداخلية. لعبت الدول الأوروبية دوراً محورياً وتخطيطياً في إدارة وتنفيذ عملية إعادة الإعمار وما بعدها سواء على صعيد السياسات الصناعية النشطة جداً ومن ضمنها "الحمائية التجارية" وتقديم الدعم المباشر للمنشآت الانتاجية والقطاع الزراعي أو على صعيد التحكم بالقطاع المالي وجعل وظيفته الأساسية دعم وتمويل الانفاق الاستثماري والاستهلاكي الخاص منهما والعام. الأمر الذي انعكس بنسب نمو مرتفعة جداً.
في سياق الوضع السوري ومحاولات البعض دس السم في الدسم، لا بد من إلقاء نظرة خاطفة على السياق التاريخي الذي شكل الدافع وراء تبني الولايات المتحدة لمشروع مارشال سواء في أوروبا أو مثيله في اليابان، لبيان استحالة أن يعيد التاريخ نفسه في الحالة السورية نتيجة تغير كل المعطيات الجيوسياسية. إذ أن الدافع الأمريكي لمشروع مارشال هو وجود الاتحاد السوفيتي على اللوحة الجيوسياسية العالمية في حينه، وما افترضه ذلك من صراع وسم جميع العلاقات الدولية بسماته بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي. إذ عملت الولايات المتحدة الأميركية عبر هذا المشروع لتحقيق إعادة الإعمار بالسرعة القصوى كأداة لهدف استراتيجي جوهره إعادة بناء وترتيب البيت الداخلي الرأسمالي في سبيل:
- تفادي وقوع اضطرابات اجتماعية في أوروبا تحت وطأة الوضع الاقتصادي والدمار وشح التمويل (تحديدا بعد خسارة المستعمرات)، الأمر الذي يمكن استثماره من قبل الاتحاد السوفيتي، في بلدان ذات حركة عمالية وشيوعية بتقاليد نضالية عريقة، عبر تمدد «الشبح الشيوعي» لقلب الرأسمالية القديمة.
- التحضير للنموذج الاقتصادي، الاجتماعي للدولة الرأسمالية ما بعد الإعمار، وتحديداً تحقيق الحد الأدنى من مستويات الرفاه الاجتماعي التي تسمح بتفادي تحول الاتحاد السوفيتي لمصدر إلهام لكادحي وعمال أوروبا.
- تثبيت القيادة السياسية والعسكرية للمعسكر الرأسمالي من قبل الولايات المتحدة وذلك من خلال الشروط التي رافقت مشروع مارشال التي فرضت على الدول الأوروبية أن تبقى قزماً عسكرياً، وأن تفتح أسرار صناعاتها للمعلم الأميركي.
التجربة الأخرى الناجحة لعملية إعادة الإعمار هي التجربة السوفيتية التي تمتاز عن التجربة الأوروبية بالاعتماد على مصادر تمويل داخلية بشكل كلي، وتتشارك معها بالدور المركزي للدولة بإدارة عملية إعادة الإعمار وإن كان أكثر كفاءة نتيجة التحكم الأعلى بالاقتصاد السوفيتي. إذ أنه وبحلول عام 1955 تجاوزت حصة الفرد السوفيتي من دخله الوطني ما كانت عليه في عام 1939 قبيل اندلاع الحرب، وهوما يعتبر انجازاً بكل المقاييس آخذين بعين الاعتبار أن المسرح الأساسي للحرب والمرحلة الأعنف منها تمت على الأراضي السوفيتية الأمر الذي أنتج دماراً هائلاً.
ومن الجدير بالذكر تجربة إعادة إعمار الضاحية الجنوبية في بيروت بعد العدوان الاسرائيلي الهمجي على لبنان عام 2006 والذي خلف دمار شبه كامل للضاحية الجنوبية ولمعظم القرى والبلدات في جنوب لبنان.
وعلى الرغم من حجم الدمار استطاع حزب الله إدارة إعادة الإعمار بدقة والتزام كبير ساهم إلى حد بعيد في تدعيم وتقوية الحاضنة الشعبية والجماهيرية للحزب.
ولكن مقابل هذه التجارب الناجحة تمثل أمامنا التجارب غير الموفقة في كل من يوغسلافيا السابقة والعراق والصومال وأفغانستان، التي عجزت عن تحقيق إعادة الإعمار بالسرعة وبالاتجاه المطلوبين لفقدان العامل سابق الذكر وهو الدور المركزي للدولة تنظيماً وإنتاجاً وتحفيزاً، بسبب خضوعها لوصفات وشروط الدول والمؤسسات المانحة.
مشاريع إعادة الإعمار الخارجية والتي تتبناها القوى المعادية.
- مشروع مارشال سورية. في ختام فعاليات “مؤتمر الشراكة للاستثمار في سورية المستقبل” الذي عقد في دبي يوم 22/11/2012 .. ووضع المجتمعون مسودة خريطة طريق لمشروع “مارشال سوريا الوطني”. ويترأسه برهان غليون.( مجموعة عمل اقتصاد سورية).
- مشروع مجموعة دبي. عبر صندوق دبي ويترأسه مجموعة من الاقتصاديين السوريين المقيمين في الإمارات.
- مشروع الإسكوا. ويترأسه عبد الله الدردري.
- مشروع مجموعة سيؤول. لم يغط اعلامياً وهو أخطرها.
التشاركية الاقتصادية كاستراتيجية وطنية لمواجهة مشاريع إعادة الإعمار الخارجية ونقل المعرفة وتوطين التكنولوجيا.
لمواجهة تحديات مرحلة إعادة الإعمار والبناء لاسيما عوامل الزمن والتكاليف والتمويل من جهة ومواجهة مشاريع إعادة الإعمار المعادية من جهة ثانية. كان لا بد من انتهاج استراتيجية فعالة قادرة على مواجهة التحديات وتقديم بدائل مقنعة للمشاريع المعادية الخارجية المعدة لإعادة الإعمار.
من هنا نجد أن قانون التشاركية رقم 5 لعام 2016 يشكل البنية التشريعية التي تتيح للتشاركية الاقتصادية أن تكون استراتيجية واقعية لتحقيق أهداف إعادة الإعمار والبناء وإفشال المشاريع الأخرى المقترحة من الجهات الخارجية والمعادية لسورية.
التشاركية أداة فعالة في نقل المعرفة وتحقيق المجتمع المعرفي، نظراً لقدرة مشاريع التشاركية العالية على نقل التكنولوجيا وتوطينها وتعزيز المحتوى المعرفي بما يكفل استثمار الزمن المتاح بفاعلية عالية تسمح للاقتصاد السوري بسرعة التعافي وللمجتمع السوري بالنهوض من جديد. وذلك من خلال مفهوم الشريك الاستراتيجي.. وقد عرفه قانون التشاركية بأنه الشخص الاعتباري الذي يملك الخبرة والدراية والكفاءة الفنية والموارد الأساسية وبخاصة المالية اللازمة لتشغيل مشروع التشاركية وعليه أن يشارك في شركة المشروع بالحد الأدنى المحدد في طلب العروض.
الخلاصة:
التشاركية هي حل موضوعي ومناسب لظروفنا الراهنة.
ولكنه ليس الوحيد.. فيمكن اعتماد مفهوم الشركات المساهمة العامة لتأمين التمويل اللازم وتحقيق مبدأ فصل الإدارة عن الملكية وتجاوز المعوقات الداخلية وكذلك تحقيق الأهداف المرجوة على اعتبار المصلحة المشتركة بين كافة المساهمين.
وقد قدمت سابقاً دراسة ومقترحاً حول ذلك، لمعالجة مشاكل وعقبات وتعثر بعض مؤسساتنا وشركاتنا العامة ذات الطابع الاقتصادي.. من خلال تحويلها إلى شركات مساهمة عامة.
فالتشاركية:
- تقوم على مبدأ حشد كل الموارد والإمكانات المتاحة للبلد بكافة مكوناته وقطاعاته في خدمة مرحلة التعافي الاقتصادي أولاً، ومرحلة إعادة البناء والإعمار تالياً. وهذا أمر محتوم وضروري لسرعة إنجاز ذلك.
- التشاركية صيغة مناسبة ومرغوبة لجذب الاستثمارات الأجنبية لا سيما العربية منها والصديقة، وتوظيفها في القطاعات الرئيسة التي تخدم التعافي السريع.
- التشاركية صيغة تساعد في تأمين التمويل اللازم لعملية التعافي. لا سيما أن حجم الدمار والتخريب والاستنزاف للموارد الناتج عن الحرب الإرهابية، كبير جداً وفق مختلف جهات التقدير المحلية والدولية.. وهذه المبالغ الضخمة غير متاحة للدولة.
- التشاركية، قد تكون وسيلة مناسبة لتجنب بعض الإجراءات القسرية أحادية الجانب "العقوبات والحصار" المطبقة على بلدنا.
من الأهمية بمكان التأكيد بل والتنبيه والتحذير.. من أن:
- التشاركية لا تعني المشاركة بين القطاع العام والخاص.. فالتجربة السابقة في هذا السياق، من خلال القطاع المشترك وحتى التعاوني، غير مشجعة. وذلك لتباين البنى والآليات والأهداف بين القطاعين.
- كما أن التشاركية إذا أُحسن تطبيقها.. لا تعني الخصخصة، ولا تؤدي إليها.
من اشتراطات نجاح التشاركية:
- استبعادها من كافة القطاعات التي ترتبط بالمواطن بشكل مباشر. كأن تطبق على إنتاج الطاقة كالكهرباء مثلاً، ولكن يبقى توزيع الطاقة حكر للقطاع العام، لأنه يتضمن مفاهيم وأعباء اجتماعية لا يهتم لها القطاع الخاص.
- استبعادها عن كافة القطاعات السيادية ذات التأثير على مفهوم الأمن الوطني، والتي يجب أن تبقى بيد الدولة.
- حصرها في مشاريع البنى التحتية والإنتاجية، وليس الريعية. لتحقيق المساهمة المرجوة في التعافي والتنمية.
- الحذر من أشكال عقود التشاركية الخطرة والتي تتضمن مخاطر الخصخصة مثل عقود BOO - ROO – DBFO مثلاً.
- طبعاً تحتاج إلى بيئة عمل مناسبة تشريعياً.. وهنا لدينا الكثير لمعالجته.
- أخيراً.. لا يمكن أن تنجح التشاركية دون تطبيق مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص.
المخاطر الواقعية من تطبيق التشاركية:
- قلة الخبرة في التعامل مع عقود التشاركية شديدة التعقيد، ولا سيما ذات الصيغ الدولية. وما يمكن أن يؤدي ذلك من نتائج سلبية.
- مخاطر عدم التزام المستثمر الخاص بالشروط التعاقدية مما يؤدي إلى توقف المشروع وخسارة الوقت والخدمة.
- المخاطر المرتبطة بمفهوم السيادة الوطنية لا سيما فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي.
- المخاطر المتعلقة بالدور الاجتماعي للدولة ومستوى خدماتها وتكاليفها.
كخبير ومختص..
أشجع بشدة على نهج التشاركية وأجده الأنسب في حالتنا والأقدر على المساعدة في سرعة التعافي..
لكن يجب الحذر، فمعظم تجارب التشاركية المطبقة حالياً غير مرضية تماماً، وحولها الكثير من الملاحظات.
وبالتالي:
أنصح بالاعتماد على مفهوم التشاركية المحلية كلما أمكن ذلك، من خلال تطبيق مفاهيم الشركات المساهمة العامة بمختلف أشكالها.. والتي يمكنها حشد الإمكانات والموارد المتاحة لكافة مكونات المجتمع وبالتالي تأمين التمويل المناسب والقيام بالمشاريع ذات الطابع المحلي على الاقل وبمساهمة كافة القطاعات.
-
الجوال :
+963 988 212212 -
البريد الإلكتروني : econ.sy@gmail.com