أزمة هوية الاقتصاد السوري
مقاربات و رؤى:


مقدمة

لطالما عانى الاقتصاد السوري من حالة فصام بين هويته الدستورية "الاشتراكية" وبين هويته "غير الواضحة" بحكم الواقع، حيث وُسم الاقتصاد في سورية لأول مرة بأنه "اقتصاد اشتراكي مخطط" في الدستور 1969، لكن السياسات والقوانين الاقتصادية بدأت تنحى منحىً رأسمالياً منذ صدور قانون الاستثمار رقم /10/ لعام 1991، الذي أعطى للقطاع الخاص هامش أكبر من الحرية الاقتصادية. وزادت الهوة بين الهوية الدستورية وبين هوية الأمر الواقع منذ بداية الألفية الثالثة، التي بلغت ذروتها في عام 2005 بإطلاق اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يعتبر أحد أنواع ونماذج الاقتصاد الرأسمالي وليس الاقتصاد الاشتراكي المنصوص عنه في الدستور.

وبعد صدور دستور عام 2012، انتفت صفة الاشتراكية عن طبيعة النظام الاقتصادي، وظهرت وجهات نظر مختلفة، أحدها يطالب بضرورة صياغة واضحة لهوية الاقتصاد السوري من أجل بناء المستقبل الاقتصادي في سورية، والبعض الآخر لا يرى وجود هوية واضحة شرطاً ملزماً ولا يعتبرها عدم وجودها عاملاً معيقاً لعملية البناء المستقبلية.

سنحاول في هذه الورقة الإجابة على تساؤلين، هما: ما هي هوية الاقتصاد السوري الحالية، وما هي الهوية المأمولة لمرحلة ما بعد الحرب؟

أولاً- تأطير حول مفهوم هوية الاقتصاد – النظم الاقتصادية السائدة

من المهم توضيح أن الرأسمالية والاشتراكية أنظمة اقتصادية وليست شكلاً من أشكال الحكومة. يمكن للدولة أن يكون لها شكل ديمقراطي أو تمثيلي للحكومة وبذات الوقت لها نظام اقتصادي اشتراكي. قد تكون الدول الاسكندنافية، وهي بعض أكثر الدول حرية و "تحضراً" بين دول العالم أمثلة على ذلك. ومن الممكن أيضاً أن يكون للدولة نظام حكم استبدادي أو بلوتوقراطي وبذات الوقت تتمتع باقتصاد رأسمالي (ألمانيا الفاشية وإيطاليا مثالان جيدان).

إن كل اقتصاد في العالم فريد من نوعه إلى حد ما، لا يوجد اقتصادان متشابهان. لكن مهما اختلفت الاقتصادات إلا أن بعضها يشترك في العديد من الخصائص والسمات نفسها. التي يمكن من خلالها معرفة هوية الاقتصاد (نظامها الاقتصادي). والإجابة عن التساؤلات الثلاث الآتية، ماذا ننتج؟ كيف ننتج؟ ولمن ننتج؟ هو ما يحدد شكل النظام الاقتصادي.

بناء على ذلك، تمكن الاقتصاديون من التمييز بين ثلاثة أنواع أساسية من الاقتصادات: الاقتصاد الموجه "الاشتراكي"، واقتصاد السوق "الرأسمالي" والاقتصاد المختلط.

  1. الاقتصاد الرأسمالي:

يقوم الاقتصاد الرأسمالي (أو ما يعرف بنظام اقتصاد السوق) على مبدأ "دعه يعمل، دعه يمر"، بعبارة أخرى، الاقتصاد الرأسمالي يقوم على تدخل حكومي أقل ويدمج مبادئ السوق الحرة، وسيطرة قليلة على الموارد. تنظم قوى السوق العرض والطلب. أي لا توجد حدود أو أرصدة أو ضوابط حكومية، حيث تكون السلع الرأسمالية مملوكة لأشخاص أو مؤسسات خاصة. ينتج اقتصاد السوق منتجات وخدمات مدفوعة بالعرض والطلب في السوق، بدلاً من التخطيط المركزي، والذي يُعرف بالاقتصاد المخطط أو الاقتصاد الموجه، وتلعب الحكومات دوراً  ثانوياً، فالحكومة لديها سيطرة قليلة على الموارد وتتجنب التدخل في القطاعات الاقتصادية الحيوية. وبدلاً من ذلك، فإن الناس والتواصل بين العرض والطلب هم مصادر التنظيم.

بهذا يمكن القول، أن الاقتصاد الرأسمالي يحكمه ثلاثة مبادئ أساسية:

  • الملكية الخاصة لإنتاج وتوزيع السلع والخدمات
  •  المنافسة، أو قوانين العرض والطلب التي توجه الاقتصاد
  • السعي وراء الربح أو بيع السلع والخدمات بأكثر من تكلفة إنتاجها

يشير مؤيدو النظام الرأسمالي إلى أن الإنتاج الأكبر والثروة الأعلى وأفضل مستوى معيشة تظهره البلدان الرأسمالية مثل الولايات المتحدة. ومع ذلك، يرى النقاد أنه في حين أن مستوى المعيشة قد يكون أعلى، لكن لا يزال هناك قدر كبير من عدم المساواة الاجتماعية. كما أنهم يدينون الجشع والاستغلال والتركيز في الثروة والسلطة لدى قلة من الناس.

  1. الاقتصاد الاشتراكي:

الاشتراكية هي نظام اقتصادي مخطط مركزياً ولديه درجة معينة من السيطرة الحكومية أو المجتمعية على الإنتاج. تنظم الحكومة إنتاج وتسعير السلع والخدمات في أشد حالات هذه الفئة. تتخذ الحكومة جميع الخيارات فيما يتعلق بكيفية توزيع المنتجات والخدمات في ظل أشد متغيرات النظام الاشتراكي.

بعبارة أخرى، في ظل الاشتراكية الشديدة، يعتمد الناس كلياً على الحكومة في الحصول على الغذاء والمأوى والمال والرعاية الصحية. كوريا الشمالية، ديكتاتورية تديرها الدولة، هي مثال متطرف لحكومة اشتراكية بالكامل.

أي أن الاقتصادي الاشتراكي أو ما يعرف بالنظام الاقتصادي الموجه يتسم بسلطة مركزية مهيمنة في شكل حكومة. والحكومة هي السلطة الوحيدة الصانعة للقرار في تحديد الإنتاج والتخصيص. من الناحية النظرية يأخذ النظام الموجه المصلحة الفضلى لسكانه في الاعتبار قبل اتخاذ أي قرار.

إذا كان اقتصاد الدولة لديه الكثير من الموارد، فمن المحتمل أن يميل نحو الاقتصاد الموجه. في هذه الحالة، تتدخل الحكومة وتتحكم في الموارد. يعتبر التحكم المركزي مثالياً للموارد القيمة مثل الذهب أو النفط. مجالات الاقتصاد الأخرى الأقل أهمية، مثل الزراعة، ينظمها الناس.

بالمختصر، يمكن القول أن الاقتصاد الاشتراكي يحكمه ثلاثة مبادئ أساسية:

  • ملكية الدولة لإنتاج وتوزيع السلع والخدمات
  • الاقتصاد المركزي
  • إنتاج بدون ربح

في النظام الاقتصادي الاشتراكي، تحدد الدولة ما يجب إنتاجه وبأي سعر لبيعه. الاشتراكية تقضي على المنافسة والربح، وتركز على المساواة الاجتماعية - تزويد الناس بما يحتاجون إليه، سواء كانوا قادرين على الدفع أم لا. تأتي المُثُل التي تقود الاشتراكية من كارل ماركس الذي رأى كل الربح على أنه أموال مأخوذة من العمال. لقد استنتج أن العمل المستخدم لإنتاج منتج يحدد قيمة هذا المنتج. الطريقة الوحيدة لكي تصل الشركة إلى الربح هي أن تدفع للعمال أقل من قيمة المنتج. وهكذا، حيثما وجد الربح، لا يتلقى العمال القيمة الحقيقية لعملهم.

  1. الاقتصاد المختلط:

يجمع الاقتصاد المختلط بين ميزات كل من النظام الاقتصادي الاشتراكي والسوق الحر. وباعتبار أنه لا يوجد نظام اقتصادي رأسمالي أو اشتراكي صرف، فإن معظم دول العالم يكون نظامها الاقتصادي اقتصاد مختلط.

الجدول التالي يظهر الفرق بين أشكال الأنظمة الاقتصادية:

الجدول رقم ( 1)- الفرق بين أنواع الاقتصاد

المؤشر

اقتصاد السوق

الاقتصاد الاشتراكي

الاقتصاد المختلط

السعر

العرض والطلب

تسعير مركزي من قبل الحكومة

يتأثر السعر بالعرض والطلب إلى جانب التشريعات الحكومية في حالات معينة

الملكية (كيف ننتج)

القطاع الخاص

القطاع العام

القطاعين العام والخاص

الإنتاج (ماذا ننتج)

الإنتاج بهدف تحقيق الربح فقط

الغاية من الإنتاج تحقيق الرفاه الاجتماعي

يشمل قرار الإنتاج حافز الربح والرفاه الاجتماعي

المنافسة

المنافسة موجودة بين المؤسسات

لا يوجد منافسة بسبب ملكية الحكومة للشركات

فقط مؤسسات القطاع الخاص يوجد بينها منافسة

التدخل الحكومي

بالحد الأدنى

الحكومة لها دور صغير

 في النشاط الاقتصادي

الحكومة لها سيطرة كاملة على الشركات

الحكومة لها سيطرة كاملة على القطاع العام ودور محدود في الشركات الخاصة

العبء الضريبي

مرتفع

منخفض

مرتفع جداً

المصدر: من إعداد الباحثة

 

ثانياً- توصيف النظام الاقتصادي في سورية

  1. هوية الاقتصاد السوري في دستور 2012

بصدور دستور 2012 لم يعد للنظام الاقتصادي هوية محددة دستورياً، إذ أُلغيت سمة "الاشتراكية" الملازمة للاقتصاد وحلّ مكانها القطاع الخاص شريكاً للقطاع العام في الاقتصاد الوطني، وهو ما ورد في المادة /13/ التي نصّت "يقوم الاقتصاد الوطني على أساس تنمية النشاط الاقتصادي العام والخاص..".

وكانت المواد الست في المبادئ الاقتصادية لدستور 2012 كافية لتحديد الهوية الاقتصادية للدولة. حيث:

  • تم تغيير أسماء التصنيفات لأنواع الملكيات وأبعدها عن المفاهيم الاشتراكية، إذ عُدلت "ملكية الشعب" التي كانت وفقاً لدستور 1973 تشمل "الثروات الطبيعية والمرافق العامة والمنشآت والمؤسسات المؤممة أو التي تقيمها الدولة" لتصبح "ملكية عامة" تشمل "الثروات الطبيعية والمنشآت والمؤسسات والمرافق العامة"، وبهذا فإن جميع المؤسسات والمنشآت المملوكة للدولة -سواء المؤممة أو التي تقيمها- يمكن بيعها كلياً أو جزئياً، من خلال ما أسس له قانون الشركات رقم 29 لعام 2011 (قبل صدور دستور 2012)، الذي أضاف نوعاً جديداً للشركات وهو "الشركات المساهمة المملوكة بالكامل للدولة" المعرفة بموجب المادة /6/ من القانون بأنها "شركات مساهمة ....تكون الدولة ممثلة بالخزينة العامة أو واحدة أو أكثر من الجهات العامة مالكة لأسهمها بالكامل ولا يجوز طرح أسهم هذه الشركات أو جزء منها للتداول إلا بموافقة مجلس الوزراء". أي أن القانون أجاز بيع الأملاك العامة بعد تحويل هذه المؤسسات إلى شركات مساهمة.
  • حظيت الملكية الخاصة على حماية شديدة، حيث حظر دستور 2012 مصادرة الملكية الخاصة إلا "لضرورات الحرب والكوارث العامة"، وفي حالة المصادرة يجب أن يكون "التعويض معادلاً للقيمة الحقيقية للملكية" وهو ما لم يكن منصوصاً عنه في دستور 1973. وأضيفت بعض الكلمات (على مواد الدستور القديم) ليصبح الدستور سور حماية وسد منيع أمام احتمال مصادرة الملكية الخاصة، إذ أضيفت كلمة "بمرسوم" إلى الفقرة التي تنص "لا تنتزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة"،  وكلمة "مبرم" إلى الفقرة "لا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي"، وبهذا نجد أن الدستور الجديد حرص على توفير الضمانات الواجبة لعدم المصادرة للملكية الخاصة، وهي من أهم شروط اقتصاد السوق.
  • ورغم قلّة عدد المواد الاقتصادية في الدستور الاشتراكي والبالغ عددها 8 مواد فقط، غير أنه تم حذف مادتين منه، المادة /18/ التي نصت "الادخار واجب وطني تحميه الدولة وتشجعه وتنظمه"، وكأن الدستور الجديد يكرّس لمجتمع استهلاكي ينفق أكثر من دخله، وهو من أهم خصائص اقتصاد السوق الحر. وهو ما تظهره بيانات الحسابات القومية، حيث تجاوزت نسبة الإنفاق الاستهلاكي إلى الناتج المحلي الإجمالي حاجز 100% لأول مرة منذ العام 2012 لتصل إلى 112% في العام 2020، في حين أن هذه النسبة بلغت في المتوسط 73% خلال الفترة 2000-2005، وارتفعت إلى ما يقارب 80% خلال السنوات 2005-2010.
  • وأيضاً ألغيت المادة /20/ التي ورد فيها "يهدف استثمار المنشآت الاقتصادية الخاصة والمشتركة إلى تلبية الحاجات الاجتماعية وزيادة الدخل القومي وتحقيق رفاه الشعب"، وفي هذا تُرك للقطاع الخاص الحرية في اختيار مشروعاته بصرف النظر عن مدى تناسب أنشطته مع الحاجات الاجتماعية ورفاه الشعب.
  • لم تكن الخدمات الاجتماعية والثقافية والصحية بعيدة عن التحولات الاقتصادية في بنية الفكر الاقتصادي للدولة السورية، حيث كانت "الدولة تكفل الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية وتعمل بوجه خاص على توفيرها للقرية لرفع مستواها" لتصبح في دستور 2012 فقط "أركان أساسية لبناء المجتمع..".
  • أما التعليم، فقد شرّع دستور 2012 التعليم المأجور بأشكاله المختلفة التي كانت سائدة في ظل دستور 1973، الذي كفل مجانيته كما ورد في نص المادة /37/ "التعليم حق تكفله الدولة وهو مجاني في جميع مراحله" ليضاف لها في الدستور الجديد "وينظم القانون الحالات التي يكون فيها التعليم مأجوراً في الجامعات والمعاهد الحكومية" و"ينظم القانون إشراف الدولة على مؤسسات التعليم الخاص". وهو ما نشهده من خلال الرفع التدريجي لنسبة الطلاب المقبولين في التعليم الموازي لتصل إلى 50% في هذا العام.

بناء على ما سبق، يمكن القول دستور 2012 شكّل وثيقة اقتصادية واضحة المعالم، تم خلالها تحديد الهوية الاقتصادية الوطنية بأنها اقتصاد سوق حر، وبهذا فإن السياسات الحكومية خلال السنوات العشر المنصرمة (من جمود في الوظائف العامة ورفع الدعم وأسعار الطاقة وزيادة رسوم الخدمات الاجتماعية، وإصدار العديد من القوانين المشجعة للحرية الاقتصادية) لم تكن وليدة رحم الضرورة الاقتصادية ومقتضيات التكيف خلال الحرب وبسبب العقوبات، بل كانت تطبيقاً لإيديولوجيا السوق الحرة التي أسس لها دستور 2012 الأرضية القانونية والشرعية.

لكن هل حقاً، يمكن تصنيف الاقتصاد السوري بأنه اقتصاد سوق حر؟!

  1. ما هو شكل الرأسمالي المتبع في سورية؟

تاريخياً، لا يوجد نظام اقتصادي صافٍ على الإطلاق، لذلك يوجد عدة أنواع من الاشتراكية وعدة أنواع من الرأسمالية، وباعتبار أن الدستور السوري والقوانين التي سبقته (المصارف الخاصة، والتعليم الخاص. .إلخ)، والقوانين التي تلته (مثل قانون التشاركية....إلخ)، بالإضافة إلى سياسات رفع الدعم وتحرير أسعار الطاقة، وغيرها من العوامل التي تشير إلى انتهاج الحكومة السورية نهجاً رأسمالياً، لكن عن أي رأسمالية نتحدث؟

يوجد خمس أنواع من الرأسمالية: رأسمالية الأوليغارشية (رأسمالية القلة)، الرأسمالية الموجهة من الدولة، رأسمالية الشركات، رأسمالية ريادة الأعمال، ورأسمالية الرفاهية.

  • رأسمالية القلة: في ظل رأسمالية القلة (الرأسمالية الأوليغارشية)، تستحوذ مجموعة صغيرة من النخبة الرأسمالية (الأوليغارشية) على الاقتصاد، ويستخدم القِلة ثرواتهم الحالية لشراء المنافسين أو السياسيين الفاسدين. هذا يساعدهم على تشويه الطريقة التي يفترض أن يعمل بها الاقتصاد الرأسمالي. فبدلاً من السوق الحرة التي تفوز فيها أفضل الشركات، فهي سوق مقيدة حيث لا يستطيع منافسة سوى عدد قليل من الأشخاص الأقوياء.
  • الرأسمالية الموجهة من الدولة: يتم التحكم في الاقتصاد في الغالب من قبل الدولة (الحكومة). عادة ما توجه الحكومات الاقتصاد من خلال مزيج من اللوائح والأنشطة الاقتصادية المباشرة. وتشمل أشكال النشاط الاقتصادي المباشر التي قد تمارسها الدولة الشركات المملوكة للدولة والهيئات الحكومية التي تدير الإنتاج الاقتصادي. يمكن القول إن جميع البلدان هي إلى حد ما أمثلة على ذلك، حيث يتطلب الاقتصاد الحديث دائماً شكلاً من أشكال التنظيم.
  • رأسمالية الشركات: تشير رأسمالية الشركات إلى نظام اقتصادي تتمتع فيه الشركات الكبرى (الشركات) بمركز مسيطر في السوق. فإن هذه المصالح مؤسساتية (تديرها شركات شرعية)، وليست شخصية (تديرها دائرة صغيرة من النخب). يتم تحقيق ذلك عادة من خلال السياسات النيوليبرالية. سيحاول أولئك الذين يتمتعون بميزة في السوق نظراً لحجمهم استخدام مركزهم لتعزيز مكاسبهم بشكل أكبر. غالباً ما نشير إلى هذا على أنه "سلوك مضاد للمنافسة"، وبالتالي، فإن رأسمالية الشركات ليست نظام سوق حر حقاً.
  • رأسمالية ريادة الأعمال: تقوم رأسمالية ريادة الأعمال على عمل رواد الأعمال في السوق الحرة. عادةً يتميز هذا الاقتصاد بسيطرة الشركات الصغيرة على النشاط الاقتصادي. عندما يهيمن على النظام الرأسمالي عدد كبير من الشركات الصغيرة، فإن ذلك يقلل من فرص حصول شركة واحدة على ميزة غير عادلة (مثل الاحتكار). من ناحية أخرى، فهذا يعني أيضاً أن الاقتصاد لن يتمتع بالكفاءة التي يجلبها الإنتاج على نطاق واسع.

يمكن القول إن الرأسمالية الريادية هي أنقى أشكال الرأسمالية. إنه الأقرب إلى كيفية وصف النظرية الاقتصادية للأسواق المثالية.

ومع ذلك، قد يكون من الصعب الحفاظ على رأسمالية تنظيم المشاريع، لأن بعض رواد الأعمال سيكونون حتماً أكثر نجاحًا من غيرهم وسيتوسعون عن طريق شراء المنافسة. هذا يؤدي بعد ذلك إلى عملية أعمال أكبر من أي وقت مضى، حتى يتم الوصول إلى رأسمالية الشركات.

من ناحية أخرى، فإن محاولة الحفاظ على الاقتصاد الرأسمالي مجرد ريادة أعمال تتطلب تدخلاً هائلاً من الدولة، مما يؤدي إلى رأسمالية موجهة من الدولة.

  • رأسمالية دولة الرفاهية: في هذا النوع من الرأسمالية، تلعب الحكومة دوراً رئيسياً في رأسمالية دولة الرفاهية. على عكس الرأسمالية الموجهة من الدولة، تقوم رأسمالية دولة الرفاهية على استخدام الدولة لإعادة توزيع بعض موارد الاقتصاد. عادة ما تتضمن هذه الموارد الأموال، مع الأشخاص الذين يتلقون إعانات البطالة أو دعمًا لتربية الأطفال. ومع ذلك، قد يشمل أيضًا التوفير المباشر للخدمات، مثل الرعاية الصحية والتعليم.

في نظام رأسمالية دولة الرفاهية، يستمر السوق الخاص التنافسي في العمل، ولكن يتم استخدام الضرائب لتوفير الأشخاص الذين لم ينجحوا في السوق. لذلك يختلف نموذج رأسمالية دولة الرفاهية عن نموذج عدم التدخل في أن يكون للدولة دور أكبر في فرض الضرائب وإعادة توزيع الأرباح الناتجة عن السوق.

عموماً، تتراوح الأنواع الرئيسية للرأسمالية المدرجة هنا من أولئك الذين يتمتعون بسلطة حكومية قوية (رأسمالية موجهة من الدولة) إلى أولئك الذين لديهم مصالح خاصة قوية (رأسمالية الشركات) إلى أولئك الذين لديهم أسواق لامركزية (رأسمالية ريادية).

والجدول أدناه يميز بين أنواع الرأسمالية:

 

الجدول رقم ( 2)- أنواع الرأسمالية

نوع الرأسمالية

أهم السمات

مثال

رأسمالية القلة

تستحوذ مجموعة صغيرة من النخبة الرأسمالية (الأوليغارشية) على الاقتصاد

لا وجود للمنافسة بسبب احتكار القلة

روسيا وأوكرانيا

رأسمالية الدولة

يتم التحكم في الاقتصاد من قبل الدولة

تضع الدولة القواعد التي يجب على الفاعلين الخاصين في الاقتصاد اتباعها

الصين

رأسمالية الشركات

تتمتع فيه الشركات الكبرى، وليس الأشخاص بالسيطرة

الاستفادة من اقتصاد الحجم

أو ضارة بالاقتصاد (رأسمالية المحاسيب)

الولايات المتحدة (facebook)

رأسمالية ريادة الأعمال

يقلل من فرص حصول شركة واحدة على ميزة غير عادلة (مثل الاحتكار).

الحفاظ على اقتصاد ريادة أعمال تتطلب تدخلاً هائلاً من الدولة

 

رأسمالية دولة الرفاهية

يستمر السوق الخاص التنافسي في العمل

إعادة توزيع بعض الموارد من خلال الضرائب

السويد والنرويج وفنلندا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: من إعداد الباحثة

بناء على ما سبق، يمكن القول أن النظام الاقتصادي القائم في سورية حالياً هو رأسمالية المحاسيب أو رأسمالية الأولغارشية، القائمة على السيطرة على  القرار الاقتصادي لصالح أصحاب المصالح.

  1. هوية الاقتصاد السوري من واقع المؤشرات الاقتصادية

الشكل البياني رقم ( 1) - تطور الاستهلاك والادخار في سورية

 

المصدر: من إعداد الباحثة بالاعتماد على بيانات المجموعة الإحصائية السورية، أعداد مختلفة.

من خلال الشكل أعلاه، نلاحظ تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد مستهلك، حيث بلغ الإنفاق الاستهلاكي أكثر من 100% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، يستهلك مما يستورد. فضلاً عن تحول الادخار في سورية إلى ادخار سالب، وهو ما سيعيق مستقبلاً القدرة على الاستثمار.

الشكل البياني رقم ( 2) - تطور التكوين الرأسمالي الثابت في سورية (أسعار 2000 الثابتة)

 

المصدر: من إعداد الباحثة بالاعتماد على بيانات المجموعة الإحصائية السورية، أعداد مختلفة.

يظهر الشكل أعلاه، انخفاض حصة الدولة في النشاط الاستثماري بشكل كبير، حيث انخفضت نسبة الإنفاق الاستثماري الحكومي من 63.64% من مجمل التكوين الرأسمالي الثابت في العام 2000 إلى 46.35% في العام 2006، الأمر الذي يفسّر بانسحاب الدولة من النشاط الاقتصادي تطبيقاً لاقتصاد السوق الاجتماعي الذي أقر في العام 2005. واستمر تراجع الدولة إلى ما قبل الحرب، حيث وصلت نسبة الإنفاق الاستثماري الحكومي إلى أقل من 40% (39.98%) في العام 2010. لكن بسبب الحرب وإحجام القطاع الخاص عن الاستثمار في سورية وسحب جزء من استثماراته، حيث انخفض حجم الإنفاق الاستثماري الخاص من 267.579 مليار ل. س في العام 2011 إلى 226.388 مليار ل. س في العام 2020، مما ساهم في زيادة نصيب القطاع العام من الإنفاق الاستثماري ليصل إلى 47.85% في العام 2020.

الشكل البياني رقم ( 3) - نسبة العبء الضريبي والإنفاق الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي

مجموعة دول مختارة عن عام 2020

 

المصدر: من إعداد الباحثة بالاعتماد على بيانات المجموعة الإحصائية السورية، ومؤشر الحرية الاقتصادية.

يبين الشكل أعلاه، أنه رغم اختلاف الأنظمة الاقتصادية للدول المختارة ودرجة تقدمها، غير أنها جميعاً تعتمد على الضرائب كمورد رئيسي في تمويل الإنفاق الحكومي. وأن الاقتصاد السوري هو الأقل بينها في الإيرادات الضريبية وهو ما يفسر تراجع الإنفاق الحكومي، وبهذا نلحظ وجود تناقض بين الضرائب وبين الإنفاق الحكومي، أي تضارب بين دور الدولة التدخلي.

الجدول رقم ( 3)- الواقع الراهن للاقتصاد السوري بناء على مؤشرات تحديد الأنظمة الاقتصادية

المؤشر

التوصيف

نوع الاقتصاد

السعر

تسعير الإداري

اقتصاد اشتراكي

الملكية (كيف ننتج)

القطاعين العام والخاص

الاقتصاد المختلط

الإنتاج (ماذا ننتج)

الربح والرفاه الاجتماعي

اقتصاد مختلط

المنافسة

المنافسة بسبب سيطرة القلة

اقتصاد السوق

التدخل الحكومي

الحكومة لها دور صغير في النشاط الاقتصادي

اقتصاد السوق

العبء الضريبي

منخفض جداً

اقتصاد اشتراكي

المصدر: من إعداد الباحثة

نلاحظ من الجدول أعلاه، أنه لا يوجد سمة واضحة بين مؤشرات تقييم الأنظمة الاقتصادية، على سبيل المثال ما زال تحديد السعر يقوم على التسعير الإداري الذي هو من أهم سمات الاقتصادي الاشتراكي، أما من حيث ملكية وسائل الإنتاج فيمكن تصنيفها بأنها اقتصاد مختلط، في حين أن التدخل الحكومي في حدوده الدنيا وهو ما ينسجم مع توصيف اقتصاد السوق.

بناء على ما سبق، يمكن القول أنه لا يوجد هوية واضحة للاقتصاد السوري.

ثالثاً- ما هي الهوية الاقتصادية الأمثل لسورية- مقاربات ورؤى؟

كما ناقشنا في الفقرات السابقة، فإن كل نوع من أنواع النظام الاقتصادي له سماته المميزة التي تعكس موارد البلد، والميزة التنافسية للبلد، واحتياجات ورغبات المنطقة. يتميز الاقتصاد الموجه بأن الحكومة تمتلك ملكية إنتاج وتوزيع السلع الرئيسية. وفي الوقت نفسه، في اقتصاد السوق، يتحكم رواد الأعمال والشركات والمنظمات الاجتماعية في السوق، مما يخلق الكثير من الفرص للنمو الاقتصادي.

غير أن أكثر أنواع الأنظمة الاقتصادية انتشاراً بين أكبر الاقتصادات في العالم هو النظام المختلط، الذي يجمع ميزات الأنواع الأخرى من الأنظمة الاقتصادية. عادة ما تستفيد البلدان التي لديها هذا الاقتصاد من التجارة المدرة للربح للأسواق الحرة وتطبق نظام التوجيه في القطاعات التي تركتها اقتصادات السوق. إنه ليس نظاماً مثالياً، ولكن العديد من أكبر الاقتصادات في العالم قد انتقلت إلى هذا النوع من الاقتصاد لرفع الناتج المحلي الإجمالي وتغليف اقتصادات العالم الحقيقي المعقدة، لا سيما الصين.

ولكي نحدد الهوية الأمثل للاقتصاد السوري، لا بد من اختيار الوظيفة الاقتصادية للدولة التي تفرضها الميزات التفاضلية المتاحة.

على الرغم من حقيقة أن جزءاً كبيراً من الاقتصاد مملوك للقطاع الخاص، فإن العديد من الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية ما زالت الحكومة هي المسيطر الأكبر (وبالتالي تظهر خصائص الأنظمة الاشتراكية). وبالمقابل تظهر القوانين التي تحكم كل من أصحاب الأعمال المحليين والأجانب أن الحكومة السورية تدعم القطاع الخاص وتنحى منحنى رأسمالية المحاسيب.

وفي كل الأحوال، فإن المتغير الذي لا ينبغي تركه خارج التفكير الاقتصادي هو العنصر البشري. إذ يؤثر الأفراد غير  الراضين على الأداء التنظيمي، على الاقتصاد سلباً.

في ظل الظروف الراهنة، والشح في الموارد المتاحة من الثروات الطبيعية، وعدم الاستقرار السياسي وحفاظاً على التراث الثقافي والإرث التاريخي، واستغلالاً لمقدرات الكوادر البشرية وشكل النظام السياسي. وفي إطار الإجابة عن الأسئلة الثلاث: ماذا ننتج؟ كيف ننتج؟ لمن ننتج؟

يمكن القول أن رأسمالية موجهة من قبل الدولة هي الخيار الأفضل، من خلال التشريعات واللوائح وممارسة بعض الأنشطة الاقتصادية بشكل مباشر من قبل الجهات والهيئات الحكومية. وفق ما يبينه الجدول أدناه.

الجدول رقم ( 4)- مقترح لمؤشرات تحديد النظام الاقتصادي الأمثل لسورية

المؤشر

التوصيف

نوع الاقتصاد

السعر

تحديد السعر بالعلاقة بين العرض والطلب إلى جانب التشريعات الحكومية في حالات معينة

الاقتصاد المختلط

الملكية (كيف ننتج)

القطاعين العام والخاص

الاقتصاد المختلط

الإنتاج (ماذا ننتج)

الربح والرفاه الاجتماعي

الاقتصاد المختلط

المنافسة

المنافسة وريادة الأعمال

الاقتصاد المختلط

التدخل الحكومي

الحكومة لها سيطرة كاملة على القطاع العام ودور مؤثر على الشركات الخاصة

الاقتصاد المختلط

العبء الضريبي

مرتفع

الاقتصاد المختلط

المصدر: من إعداد الباحثة

بعد كل ما قيل، لا يزال يتعين اكتشاف نظام اقتصادي مثالي. على الرغم من أن وجود نظام اقتصادي مختلط أمر مشترك بين خمسة من أكبر الاقتصادات في العالم، إلا أن المزيج المثالي لحرية السوق والتدخل الحكومي لم يتحقق بعد. الحقيقة هي أن كل اقتصاد لا يزال عملاً جارياً، بما في ذلك أكثر الاقتصادات ازدهاراً. وسوف تتطور باستمرار مع المجتمع والتكنولوجيا عبر الزمن.

لكل نظام اقتصادي مزايا وعيوب، ولا يوجد دولة في العالم تتبع نظام اقتصادي صرف، الأنظمة المختلطة هي القاعدة. وباعتبار أن النظام الاقتصادي هو وسيلة تعتمدها الحكومات لتوزيع الموارد جنباً إلى جنب مع الخدمات والسلع جميع أنحاء منطقة جغرافية أو بلد. يعتمد مثل هذا الترتيب على تنظيم عوامل الإنتاج – الأرض رأس المال والعمالة والموارد المادية ورجال الأعمال وموارد المعلومات من خلال إقامة التوازن الصحيح بين الأسواق الحرة والتنظيم الحكومي في الممارسة.

إذن فالنظام الاقتصادي يحتاج إلى دراسة الموارد المتاحة ومجموعة متنوعة من المنظمات والوكالات والشركات وعمليات صنع القرار وأنماط الاستهلاك التي تشكل الهيكل الاقتصادي للمجتمع.

1- إنتاج الثروة والابتكار: لكل فرد القدرة على إنتاج الثروة. وإن الحد من استخدام الأنشطة الحكومية المقيدة وضمان تحقق المنافسة، تسمح للأفراد بالتوسع والازدهار بسهولة من خلال تمكينه من الانخراط في أي عمل يشعر أنه سيفيده لاحقاً، وبدوره يحفز الشركات على تطوير منتجات أفضل وأكثر ابتكاراً من أجل إرضاء العملاء والتفوق على المنافسين. وهو ما ينعكس لاحقاً على عملية التنمية.

2. تحسين الحياة: يجب أن تستهدف السياسات الاقتصادية الغالبية العظمى من السكان من أجل الحصول على تعليم جيدة وصحة مضمونة وغيرها من الخدمات العامة، وخاصة الفئات الأكثر فقراً وهشاشة، وليس التوجه نحو تركز الثروة لدى بذريعة تساقط الثروة من الأعلى إلى الأسفل، وهو ما لم ينجح منذ تطبيقها في سورية بعد العام 2005.

3. إعطاء السلطة للشعب: من أهم عوامل نجاح أي اقتصاد هو حرية اختيار الطريقة التي يريدون أن يعيشوا بها حياتهم. نظراً لأن العديد من المهن والقدرات تتدفق من جميع الأماكن، فإن هذا يولد سوقاً كبيراً. يتمتع المستهلكون بالقدرة على اختيار من يشترون منه بناءً على تفضيلاتهم وأفكارهم، مما يجبر الشركات المصنعة على تطوير أكبر منتج أو خدمة متاحة. لأن الدولة لا تجبر سكانها على فعل أي شيء، تسمح الرأسمالية للأفراد بالمشاركة في أنشطة السوق.

قسم المعلومات
...

  • الجوال : +963 988 212212
  • البريد الإلكتروني : econ.sy@gmail.com